الرجعة
تعني رجوع بعض الأموات إلى الحياة الدنيا مرة أخرى، ممن محضوا الإيمان محضًا، أو محضوا الكفر محضًا في صورتهم التي كانوا عليها، ومما لا شك فيه أن على رأس المؤمنين الراجعين إلى الدنيا المعصومين (عليهم السلام)، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "...وليحضرن السيد الأكبر محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والصديق الأكبر أمير المؤمنين، وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (عليهم السلام)"(1). وقيل إنها: (رجوع الدولة من دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، وهو غير صحيح؛ لأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فتتطرق التأويلات عليها،...وإنما المعول في إثبات الرجعة على إجماع الإمامية على معناها بأن الله يحيي أمواتًا عند قيام القائم (عجل الله فرجه) من أوليائه)(2). والاعتقاد بالرجعة يتوافق مع الثوابت الاعتقادية الحقة ويؤكدها؛ فهي دليل على قدرة الله تعالى العظيمة، وتعد معجزةً من المعاجز التي أخبر عنها النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد اقتضت حكمة الله تعالى وقوعها إحقاقًا للحق، فتؤكد بذلك عدله سبحانه، ورجوع المعصومين (عليهم السلام) وقيام دولتهم أدل دليل على عقيدة الإمامة، فضلًا عن أن إحياء الأموات يؤكد البعث والنشور. وهناك العديد من الأدلة العقلية والنقلية عليها، منها الآيات الكريمة الدالة عليها كقوله تعالى: ويوْم نحْشر منْ كل أمةٍ فوْجًا ممنْ يكذب بآياتنا (النمل:83)، فهذا الحشر خاص ببعضهم دون الآخر، على حين أن الحشر الأكبر يشمل جميع الخلق لقوله تعالى: وحشرْناهمْ فلمْ نغادرْ منْهمْ أحدًا (الكهف:47)، مما يدل على أن الحشر الأول غير الحشر الأكبر، وهو الخاص بالرجعة. وتضافرت الروايات المتواترة بشأنها، منها ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إذا قام (القائم) أتي المؤمن في قبره، فيقال له: يا هذا، إنه قد ظهر صاحبك، فإنْ تشأ أنْ تلحق به فالحق، وإنْ تشأ أنْ تقيم في كرامة ربك فأقم"(3). ثم إنها ممكنة عقلًا، وقد وقعت في الأمم السابقة، فعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: "إنها (الرجعة) الحق، قد كانت في الأمم السالفة ونطق بها القرآن، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة"(4). وللرجعة أهداف يمكن فهمها من الروايات الشريفة، منها إعزاز الله تعالى المؤمنين، وإراءتهم تحقيق أسمى غاياتهم، وهي ظهور الدين الذي ارتضاه على الدين كله، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "لكل أناسٍ دولةٌ يرقبونها، ودولتنا في آخر الدهر تظهر"(5)، ومنها مقاتلة المؤمنين الراجعين الكافرين، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "العجب كل العجب بين جمادى ورجب"، فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه؟ فقال: "وأي عجبٍ أعجب من أمواتٍ يضربون كل عدوٍ لله، ولرسوله، ولأهل بيته"(6)، ومنها إقامة القصاص والعدل الدنيوي، فضلًا عن إذلال الكافرين والظالمين، وما يتعرضون له من عذاب نفسي عند رؤيتهم انتصار الحق وانتشار الدين، فقد روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: "لترجعن نفوس ذهبت، وليقتصن يوم يقوم (القائم)، ومن عذب يقتص بعذابه، ومن أغيظ أغاظ بغيظه، ومن قتل اقتص بقتله، ويرد لهم أعداؤهم معهم حتى يأخذوا بثأرهم"(7). .................................................. (1)مختصر بصائر الدرجات: ج1، ص188. (2)رسائل المرتضى: ج1، ص١٢٦. (3)معجم أحاديث الإمام المهدي (عجل الله فرجه): ج3، ص333. (4)بحار الأنوار: ج53، ص٥٩، ح٤٥. (5)المصدر نفسه: ج٥١، ص١٤٣، ح٣. (6)المصدر نفسه: ج٥٣، ص٦٠، ح٤٨. (7)المصدر نفسه: ج٥٣، ص٤٤، ح١٦.