"من ساء ظنه ساءت طويته"

منى إبراهيم الشيخ/ البحرين
عدد المشاهدات : 418

سوء الظنّ رذيلة أخلاقية، حالها حال سائر الرذائل الأخرى، وأشرنا سابقًا إلى مساوئها على الشخص الظانّ، وقد تنشأ من عدّة عوامل وأسباب. خديجة: عَبر مطالعتي لكتب الأخلاق التي وردت فيها روايات المعصومين (عليهم السلام)، ذُكرت عدّة أسباب لابتلاء الإنسان بهذه الرذيلة، منها: 1ـ تلوّث الفطرة: فالأشخاص الذين لديهم حالة من التلوّث الروحي يتصوّرون الآخرين مثلهم، وهذه الحالة تكاد تكون سائدة عند أغلب الناس، فما لم يلتفت الإنسان إلى نفسه ويطهّرها، فمن العسير أن يتخلّى عن سوء الظنّ، فقد ورد عن عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "مَن ساءَ ظَنُّهُ ساءَت طَوِيَّتُهُ"(1)، وعنه (عليه السلام): "الشرِّيرُ لا يَظُنُّ بِأحَدٍ خَيرًا؛ لأنّهُ لا يَراهُ إلّا بِطَبعِ نَفسِهِ"(2). 2- رفاق السوء: فالشخص الذي يجالس رفاق السوء والأشرار، فمن الطبيعي أن يسيء الظنّ بجميع الناس؛ لأنّه يتصوّر أنّ الناس مثل هؤلاء الرفاق، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "مُجالَسَةُ الأَشرارِ تُورِثُ سُوءَ الظَّنِّ بِالأخيارِ"(3). غفران: تعقيبًا على حديثكِ؛ فباعتقادي أنّ المحيط الفاسد له دور أيضًا؛ فعندما يعيش الإنسان في أسرة أو مجتمع سيّئ على المستوى الثقافي والأخلاقي، فإنّ ذلك من شأنه أن يورثه سوء الظنّ بجميع الأفراد حتى الأخيار منهم، حتى لو كان يعاشر الصلحاء، لكنّ غلبة الفساد والانحطاط في المجتمع بإمكانه أن يولّد فيه سوء الظنّ. رقيّة: قد يكون الظانّ إنسانًا حسودًا وحقودًا، أو متكبّرًا ومغرورًا، فتُعدّ هذه الأمراض عاملًا آخر من عوامل سوء الظنّ؛ لأنّ الإنسان الحسود والحقود يريد عن طريق سوء الظنّ تسقيط شخصية الطرف الآخر، والتقليل‌ من شأنه، وكذلك الشخص المتكبّر يتحرّك من موقع تحقير الآخرين، والسخرية بشخصيتهم عن طريق إساءة الظنّ بهم. زينب: وقد يكون الظانّ يعيش عُقدة نفسية، فالذي لا يملك تقديرًا لذاته، ويشعر بصغر نفسه، أو يجد من الآخرين تقليلًا لشخصيته، فإنّه يسعى كذلك إلى التنقيص من شخصية الآخرين والتقليل من شأنهم، ويتصوّرهم شخصيات لا قيمة لها ليشبع هذه العُقدة في نفسه. خديجة: بارك الله فيكنَّ جميعًا، فقد وقفتنَّ على أهمّ الدوافع لسوء ظنّ الإنسان بأخيه الإنسان، وأمّا سوء الظنّ بالله سبحانه وتعالى فقد ذكرنا سابقًا أنّ ضعف الإيمان واليقين هو السبب فيه، فضعف الإيمان من شأنه أن يخلق في فكر الإنسان سوء الظنّ وعدم الثقة بالوعود الإلهية لعباده، ومن ثم يوصد أمامه أبواب السعادة والنجاة. يتبع... ................................ (1)ميزان الحكمة: ج6، ص573. (2)المصدر نفسه: ج2، ص572. (3)المصدر نفسه: ص.