عرفت أخيرا معنى الشهادة

زهراء سالم الجبوريّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 133

أخبركَ يا صديقي بأنّ استقبالي كان جميلًا.. أشبه بالحفل الفاخر الفريد.. كان مليئًا بابتسامات الشهداء من قبلي.. والملائكة عن يميني وعن شمالي.. يسيرون بي نحو الجنان على عرش الشهادة المُرصّع بالياقوت.. يشبه لون دمائي النازفة من جبيني المضمّخ بالتراب.. والطرقات المُزيّنة بالورود.. تعتريني فرحة.. لا أدري كيف أصفُ شعوري؟ فأنا عاجز، حقًّا عاجز عن أن أدوّنه.. أو أشاركه أحدًا.. وأنا أُصطحب إلى دار النعيم بعد إن كنتُ غارقًا في طوفان الدنيا الواهنة.. فالشهادة نبتة السعادة التي تكمن بداخلي.. ووُفّقتُ في العثور عليها.. كنتُ أعلم بأنّ هذا الدرب الطويل سيقودنا إلى لقاء الأحبّة، المعصومين (عليهم السلام).. حتى إنّي من فرط جنوني كنتُ أعشق صوت الرصاص المنبعث من سلاحي الدافئ.. من نفحات هذا الوطن الحبيب.. وأنا في حالة ترقّب لميقات شهادتي المحتّم.. لا شيء يسعدني سواها على الرغم من الرعب الذي كان يعتريني خوفًا من ضياع الأمان الذي قرأتُه في عينيْ العراق لأول مرّة رأيتُ فيها أولئك الظالمين، الذين كانوا يتسكّعون في الطرقات الفارغة، المُصابة بالفزع والجزع.. بدا فيها أهلها وكأنّهم غرباء.. لا شيء يلملمهم سوى الضياع.. وشبح الذعر يتضخّم في دواخلهم.. يترقّبونه ويخشون النظر إليه.. لقد تكوّروا في قوقعة الخوف والصمت.. وجهلوا كلّ الأسئلة التي أضاعوا مفاتيح إجابتها.. كيف ينجون وكلّ الطرق التي يسيرون فيها ساعيةً بهم إلى الموت؟! لا شيء أسوأ من صوت الرصاص الذي يمرّ على مسامعهم؛ ليفتح أبواب الذعر في أعماقهم الخاوية.. لا أحد يا صديقي كان يكترث لاحتراق قلوبهم، وفزع أرواحهم.. لا أحد يكترث!! كلّ هذه العقبات كادت أن تشكّل نهاية مدننا.. لكنّي وقفتُ ومن معي خلف السواتر حتى تمكّنا من إعادتها، وروينا روحها من غيث دمائنا حكاية..