رياض الزهراء العدد 194 عطر المجالس
"أفضل الإيمان الأمانة..."(1)
الأمانة عنوان واسع، وسمة أخلاقية سامية، وصفة الأنبياء والرسل، إذ عُرف بها نبيّنا (صلّى الله عليه وآله)، فهو الصادق الأمين، ووصفت ابنة شعيب (عليه السلام) موسى الكليم (عليه السلام) بالقوي الأمين. تبادلت الثلّة الطيّبة التحايا والسلام، ولفت انتباه أمّ عليّ عدم حضور زهراء، فهي العضو الحاضر الفعّال الذي طالما أضفت جوًّا من الحيوية والبهجة على الحوار. - أمّ عليّ: أين زهراء؟ لقد اعتدنا أن تستقبلنا بمَرحها البريء ومُداخلاتها اللطيفة. - أمّ زهراء: إن شاء الله خيرًا، ستأتي بعد قليل، فإنّها مشغولة بصلاة الشكر. أقبلتْ زهراء وألقتْ التحية بوجه يتلألأ بنور الإيمان، فهي ثمرة طيّبة من منبت طيّب، يُسقى بماء الولاء والحبّ للمعصومين الأطهار (عليهم السلام). - أمّ عليّ: ندعو لكِ بدوام النعم وزيادتها. - زهراء: اللهمّ آمين، لنا ولجميع المؤمنين، اليوم قد رددتُ أمانة إلى أصحابها، ففي الوقت الذي كانت الأمانة عندي، كنتُ كمَن يحمل حملًا ثقيلًا جدًا جعلني أعيشُ حالةً من القلق والخوف. - أمّ جعفر: حبيبتي الغالية، حقًّا إنّها حمل ثقيل، ويتبيّن ذلك من قول الرسول (صلّى الله عليه وآله): "ليس منّا مَن أخلف الأمانة"(2). - أمّ حسين: هنيئًا لكِ، فقد اجتزتِ الاختبار الشاقّ بنجاح، فأداء الأمانة واجب عظيم، وأنتِ على الرغم من صِغَر سنّكِ، إلّا أنّكِ أدركتِ عظيم قدرها. - أمّ عليّ: أداء الأمانة إضافةً إلى كونها من موجبات احترام الإنسان والثقة به، كذلك لها الأثر الكبير في الحياة الآخرة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "مَن أؤتمن على أمانة فأدّاها فقد حلّ ألف عُقدة من عنقه من عُقد النار، فبادروا بأداء الأمانة"(3). - أمّ زهراء: ولبيان أهمّيتها، فإنّ هناك أمرًا صريحًا بأداء الأمانة، حيث يقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا... (النساء:58). - أمّ عليّ: وهنا علينا الانتباه إلى مسألة مهمّة، ألا وهي أنّ أداء الأمانة إلى أهلها يعني وجوب أداء الأمانة بغضّ النظر عن شخص المُؤتمِن، سواء كان صالحًا أو طالحًا، وإلى هذا يشير إمامنا أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): "...وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر"(4). - أمّ جعفر: وإذا أخذنا الأمانة بمعناها الأعمّ، فإنّها قد تكون عينية كالأموال، وقد تكون غير عينية مثل الأسرار، ونقل المعلومات والاستشارة، وغيرها. - أمّ زهراء: فحفظ السرّ أمانة. - أمّ جعفر: والمشورة بما فيه الصلاح للمستشير أمانة. - أمّ حسين: والعمل الذي نؤدّيه أمانة، وكيفية قضاء الوقت أمانة. - زهراء: وثقة أهلنا بنا أمانة يجب أن نحافظ عليها ونصونها. - أمّ عليّ: بوركتِ، وديننا الذي هو دين ساداتنا المعصومين (عليهم السلام) أمانة علينا رعايتها. - أمّ حسين: أحسنتم، فعندما نكون بالمظهر اللائق من الاحتشام، والتفوّق العلمي، وحُسن الخُلق، فسيكون ذلك صونًا لأمانة المعصومين (عليهم السلام)، وبه نصبح دُعاةً إليهم (صلوات الله وسلامه عليهم) بلا دعاية أو إعلان. - أمّ عليّ: من أجمل ما في المحافظة على الأمانة هو الشعور بالأمان، وهو من أهمّ أسس المجتمع الرصين. ..................................... (1)ميزان الحكمة: ج1، ص٢١٤. (2)الكافي: ج5، ص198. (3)كتاب الأخلاق: ص١٧٦. (4)الكافي: ج2، ص85