عاليات الهمم

دعاء فاضل الربيعيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 220

ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "كان في ما وعظ لقمان ابنه... يا بنيّ اجعل في أيامكَ ولياليكَ وساعاتكَ نصيبًا لكَ في طلب العلم، فإنّكَ لن تجد لكَ تضييعًا مثل تركه"(1). اعتادت المرأة العراقية على أن تكون عالية الهمّة، صبورة وشجاعة، قادرة على تحقيق أهدافها وطموحاتها الآنيّة والمُستقبلية، ومَن يتأمّل الواقع فسيرى أنّ النساء في العراق كان لهنَّ الدور البارز والريادي في مجال التعليم والتعلّم، فرؤية الأمّهات على مقاعد الدراسة أمر مميّز ولافت للانتباه، ويدلّ على وعي المرأة، وحبّها لطلب العلم الذي أمرت به الشرائع السماوية، مثلما هو واضح في وصيّة لقمان الحكيم لابنه، لكن الجمع بين الدراسة الجامعية، والزواج، والأمومة ليس سهلًا، بل إنّه يتطلّب مجهودًا مضاعفًا، وقوة وعزيمة فذّة؛ لتتمكّن الأمّ من تحقيقها، وشقّ طريقها من دون توقّف. ولأنّ مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) مُهتمّة بشؤون المرأة ودورها، ارتأت تسليط الضوء على إقبال النساء المتزوّجات والأمّهات على إكمال الدراسة الجامعية، والتعرّف على دور العلم في تعزيز الثقة لدى الفرد، وما أهمّ الصعوبات التي تواجه أولئك النساء في أثناء الدراسة، وكيف استطعنَ التحكّم بزمام الأمور، وتهيئة الأجواء المناسبة للجمع بين المسؤوليات والمتطلّبات المتعدّدة. سألنا التربوية والمهتمّة بالشؤون الاجتماعية السيّدة (رانيا... الكعبيّ) عن حقّ التعليم بالنسبة إلى المرأة، وأهمّيته في تعزيز الثقة والإمكانات النفسية، فأجابت: يُعدّ حقّ التعليم أحد الحقوق الأساسية للمرأة، لكن هناك الكثير من النساء والفتيات حول العالم محرومات منه بسبب عدّة عوامل، كالفقر، أو الزواج المبكّر، أو بعض الضوابط الاقتصادية والاجتماعية المبنيّة على نوع الجنس، ويُعدّ التعليم أحد أهمّ الأمور التي تسهم في تأمين مستقبل الفتيات الراغبات بالعمل في شتّى الاختصاصات والمِهن، وقد أثبتت عدّة دراسات أنّ حصول المرأة على التعليم ينعكس بشكل إيجابي على العديد من النواحي الذاتية، والمجتمعية، والاقتصادية، فالتعليم يعزّز إمكانات المرأة، ويساعدها على خلق مجتمع متفاهم يتحلّى بالاحترام، وتكون قادرة على تنشئة أسرة في ضمن بيئة صحّية، ولا يعود تعليمها بالنفع عليها وعلى أسرتها فحسب، بل على المجتمع أيضًا. ميسون...الكاظميّ/ جامعة البصرة، أمّ لخمسة أطفال وطالبة في المرحلة الثالثة ـ كلية الآداب/ قسم اللغة الإنكليزية، عند سؤالها عن تجربتها في إكمال الدراسة الجامعية بعد تكوين الأسرة، وكيف استطاعت تذليل الصعاب، ومَن الداعم الأول لها في هذه المسيرة، قالت: في الحقيقة يُعدّ تهيئة الظروف الدراسية المناسبة للمتزوّجات من أهمّ التحدّيات التي تواجهها المرأة في المجتمع العراقي تحديدًا، فعلى الرغم من الصعوبات، إلّا أنّ الإصرار الذي نجده عند فئة النساء المتزوّجات يختلف عن نظيره عند الفئات الأخرى، وهذا الإصرار نابع من رغبتهنَّ الملحّة في إكمال هذه المرحلة من حياتهنَّ مع وجود شتى التحدّيات التي تعتري طريقهنَّ، وقد عدتُ إلى مقاعد الدارسة لإتمام مسيرتي التعليمية بعد مُضي أعوام من الانقطاع والانشغال بالحياة الزوجية وتربية الأولاد، أعوام أحبّ أن أصفها بالنجاح، فهو النجاح الأول والأساس الذي تولّدت منه الرغبة الملحّة لإتمام مسيرتي الدراسية التي طالما كنتُ أتطلّع إليها، فبدأتُ بإكمال الدراسة الإعدادية، ثم الجامعية والأمر كان في غاية الصعوبة، وقد تكون معضلة تنظيم الوقت أهمّ التحدّيات التي واجهتني شخصيًا، لكن بفضل الله تعالى ولطفه الخفي استطعتُ من المضي قُدمًا، ولا أنسى فضل أسرتي الساند لي، وزوجي الذي كان له الدور الأبوي والإرشادي في إكمال مسيرتي، وأولادي الذين كنتُ عن طريقهم أتطلّع إلى أن أكون أمًّا ناجحة من أجل إكمال مسيرتهم العلمية ومسيرتي. أمّا الطالبة شهد... الموسويّ/ أم لطفلة وطالبة في جامعة البصرة ـ كلية الإدارة والاقتصاد/ المرحلة الرابعة، فأجابت عن سؤالنا: برأيكِ ما الدوافع التي تقع وراء قرار إكمال الدراسة الجامعية لدى المتزوّجات والأمّهات؟ لعلّ أهمّ الدوافع التي جعلتني أكمل دراستي على الرغم من كوني متزوّجة ولديّ طفلة والتزامات منزلية، هو الوازع الديني أولًا، حيث إنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، وثانيًا لكون التعليم ونيل الشهادة الأكاديمية هو بمنزلة السلاح للمرأة في هذا الزمن الصعب وتقلّباته، وثالثًا السعي إلى الكمال العلمي، ورفع المستوى الفكري لدى الإنسان لمعرفة خفايا الحياة، وكيفية التعامل معها. وسألنا الطالبة وفاء... الجبوري/ جامعة الكوفة، أمّ لطفلين وطالبة في قسم العلوم التربوية والنفسية/ المرحلة الأولى: ما دوافعكِ للدراسة الجامعية بعد الزواج والإنجاب؟ وما رسالتكِ إلى النساء؟ الدوافع من وراء إكمال الدراسة الجامعية بعد تكوين الأسرة كثيرة، ولعلّ أهمّها حبّ العمل، والارتقاء بالنفس، وتحقيق الطموحات، ولم أختلف عن بقيّة الأمّهات اللاتي واجهنَ صعوبات وتحدّيات كثيرة من ناحية الاهتمام بالأولاد والبيت، وتلبية حاجات الأسرة مع الدراسة، لكن الطموح الذي لديّ، وعلوّ الهمّة، ووقوف أهلي وزوجي إلى جانبي، ساعدني على إكمال مسيرتي العلمية، ورسالتي إلى كلّ أمّ: كوني طموحة ومصرّة على تحقيق أحلامكِ، لا تفكّري بالأمور السلبية ونظرة المجتمع، بل كوني قوية، وأكملي مسيرتكِ التعليمية، وكوني داعمةً لنفسكِ ولقدراتكِ، فالحياة جميلة ولابدّ من استثمارها. وعند سؤال الطالبة أمّ البنين... العكايشي/... أمّ لطفلة وطالبة الدارسات العليا/ قسم هندسة البيئة، ما أهمّ الصعاب التي واجهتكِ في أثناء الدراسة، وكيف استطعتِ بلوغ الهدف؟ أجابت: إنّ العلم هو منبع لا ينفد مصدره، من هنا كان لابدّ لي من توسعة نطاق معرفتي بالمجال الذي اخترتُه لإكمال مسيرة دراستي، وهو ما سيصقل مهاراتي ويضيف إلى معلوماتي، ممّا يعود بالإيجاب على الجوانب المهنية الخاصّة بعملي، ومن ثم على المجتمع الذي أخدمه عند تأدية عملي، فكان هذا من أهمّ الدوافع التي جعلتني أكمل مسيرتي، والدافع الآخر هو توسيع شبكة العلاقات الاجتماعية، حيث إنّ اختلاط الفرد بأعضاء هيئة التدريس الذين سأشاركهم في خطوتي، سيساعدني بصورة فعّالة على تطوير مهاراتي بصورة ملحوظة، وكذلك الاطّلاع على الثقافات المختلفة، ورؤى زملاء الدراسة وتطلّعاتهم. ولعلّ ضيق الوقت هو أشدّ الصعوبات التي واجهتني في أثناء دراستي لكوني مسؤولة عن بيت وزوج وطفلة ولديّ وظيفة، فكان من الصعب جدًا التوفيق بينهم جميعًا، ممّا كان يتطلّب منّي السهر الكثير والجهد المُضاعف لحصول المرام، لذا عملتُ على تذليل الصعوبات بالصبر والمثابرة والثقة العالية بربّي ونفسي بأنّ كلّ مُرّ سيمرّ، وسأحصد ثمار تعبي، فما هي إلّا خطوات للوصول إلى العُلا، وطموحاتي المستقبلية الاستمرار بمسيرة العلم للحصول على شهادة الدكتوراه بإذن الله تعالى. وللجامعات دور أيضًا في تقديم الدعم المعنوي لهذه الشريحة النسوية، إذ قالت أ.م. د نور ...الساعديّ/ جامعة وارث الأنبياء (عليه السلام): تقدّم الجامعة الدعم للطالبات الأمّهات عن طريق رفع الحدّ الأعلى للغياب في حال وجود عذر قاهر يجبرهنَّ على التغيّب عن المحاضرات، فالجامعة تعمل على مراعاة ظرف الطالبة بالقدر المستطاع، ودعم الطالبات الأمّهات في حال الحمل والولادة، إذ تعمل على توفير قاعات امتحانيه أرضية لهنَّ مراعاةً لوضعهنَّ الصحّي. وختام الحديث كان مع السيّدة مائدة... الدوركي/ تربوية ومستشارة في مركز الكفيل الأسري التي قالت: لكلّ امرأة طموح وأحلام تحاول أن تحقّقها، لكن بين ليلة وضحاها تتنازل عن بعضها إذا وجدت في الزواج فرصةً لا تُعوّض، إمّا خوفًا من العنوسة أو أنّ الخاطب فيه من الصفات التي تشجّع على الارتباط، وبعض الفتيات يشترطنَ على الزوج إكمال الدراسة، لكنّهنَّ بعد الزواج يجدنَ معارضة من قِبل الزوج نفسه أو من أهله لأسباب عدّة، منها حبّ التحكّم في تصرّفاتها، أو وجود الأطفال، أو غيرة الزوج، والكثير من هذه الأسباب تحبط الزوجة وتكون عائقًا أمامها لإكمال دراستها، لكن الطموح والرغبة في إكمال الدراسة يبقى هاجسًا لها، حتى تُتاح الفرصة المناسبة، ومن الجميل أن نرى الكثير من النساء اللاتي تجاوزت أعمارهنَّ الخمسين يتوجّهنَ إلى مختلف المجالات العلمية، منها الدراسات الحوزوية أو الجامعية. إنّ أبواب العلم والمعرفة هي الطريق إلى السعادة؛ لأنّ فهم فلسفة الحياة بحلوها ومرّها تجعل كلّ تعثّر سببًا في اكتشاف خبايا النفس وقدراتها على إدارة الأزمات والتفكير في كيفية معالجة الأمور الحياتية بدون تحميلها فوق ما تستحقّ، فالمعرفة تجعل صدر المرأة أوسع، ونظرتها للحياة أكثر نضجًا، فمهما كثرت العوائق، فالمرأة قادرة على إزالتها بكلّ قوة وعزيمة وإصرار، وهذا إنْ دلّ على شيء فإنّه يدلّ على القوة الكامنة في هذا المخلوق القادر على إنجاز المهامّ، وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "مَنْ لم يصبر على ذلّ التعلّم ساعة، بقي في ذلّ الجهل أبدًا"(2). …………......................................... (1)ميزان الحكمة: ج2، ص1111. (2)العلم والحكمة في الكتاب والسنّة: ص250.