رياض الزهراء العدد 90 لحياة أفضل
مُشكِلَةٌ وَحَلٌّ فِي ظِلِّ التَّربِيَة_الطفل والتأثيرات الخارجية
الأطفال أشبه ما يكونون بنباتات صغيرة، وشتائل وليدة، فالشتلة في بداية نموها تموت بمجرد أن يداعبها طفل بيديه الرخوتين، وتتحطّم بقدوم الرياح العاصفة. والنبتة التي لم يقوَ عودها، لا تستطيع الصمود والمقاومة بوجه المؤثرات الجوية والعوامل الطبيعية. فهل يكفي للمحافظة على النباتات أن نقوم بسقيها وتغذيتها بالسماد بشكل جيّد، من دون أن نمنع عنها المراعي من الوصول إليها وإتلافها؟ وكذلك بالنسبة إلى الأطفال، فلا يكفي أن تؤدبهم بأدبك، وتسقيهم من مناهل أفكارك ما لم تحُلْ بينهم وبين العوامل المؤثرة التي تهجم عليهم من كلّ حدب وصوب، فالأطفال بمجرد دخولهم إلى المدرسة والمجتمع وجلوسهم أمام شاشات التلفاز وغيرها، فإنهم يدخلون في بحر لجيّ عميق الأغوار، وموج كالجبال من الأفكار والتصوّرات التي تملأ قلوبهم. ومَهمة المربّي ليس الوقوف أمامهم ليمنعهم ويصدّهم عن الدخول في هذا البحر الموّاج، وإنما مَهمته أن يتقنَ لهم صناعة سفينة بشكل رصين يطمئن بها عليهم من عدم الهلاك والغرق، وذلك عن طريق تحقيق بعض الأمور، منها: القفز إلى قلب الأطفال قبل أن يحتله العدو: تعدّ المبادرة إلى تربية الأطفال من أحسن العوامل المساعدة، خصوصاً في السنين الأولى من عمره؛ لأنه كالورقة البيضاء التي لم تسوّد بحبر الأقلام، ويشبه الأرض الخالية القابلة لزرع كلّ شيء فيها، كما قال الإمام علي (عليه السلام) - للحسن (عليه السلام) -: “إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك”.(1) ولكي لا يسبقنا أحد في زرع أعشابه الضارة على أرض أطفالنا لابدّ من أن نبادر بأشجارنا المثمرة ونملأ كلّ فراغهم، كما قال الإمام (عليه السلام) في هذا الصدد: “بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المُرْجِئَة”.(2) فيجب تربيتهم من نعومة أظفارهم وقبل بلوغهم خمس سنوات، يُقال: إنّ امرأة سألت مربياً مشهوراً، ما هو الوقت المبكر الذي أستطيع أن أبدأ به تعليم طفلي؟ فسألها المربي قائلاً: متى سيولد هذا الطفل؟ فأجابت: إنه الآن في السنة الخامسة من عمره، فأجابها: أسرعي أيّتها السيدة ولا تقفي هنا، لقد ضاعت أفضل سنواته. إذن يجب المبادرة في السنوات الأولى من عمره لتربيته. اختر البيت كما تختار الفاكهة: فاختيار البيت الصالح الذي تسكنه أنت وأطفالك لابدّ من أن يكون اختياراً مدروساً وليس اختياراً عشوائياً، وذلك تلافياً للنتائج غير الصالحة لأطفالك، فإنها تترك نتائج غير محمودة، فالجار قد يضرّ في تربية أطفالك، فلابدّ من أن تستوطن في مكان فيه جار حسن، افعل كما تفعل النحلة المفتّشة، فهي تقف أمام بيوت النحل، وتفتّش كلّ نحلة تريد الدخول إلى مجمع النحل وتطردها إن لم تكن تستقي من رحيق الورد أو استعاضت بشيء آخر، والمربّي يقوم بدور مفتشة النحل إلى أطفاله، فإذا خرجوا إلى المجتمع وخاضوا غماره، فتّش عن الآثار الفكريّة التي علقت بأذهانهم، وطرد الفاسد عنهم. ارسم لهم معالم الطريق المستقيم: إذا كان المربّي قد رسم لأطفاله طريق الحياة الذي يجب أن يسلكوه، وبيّن لهم حدود متطلبات المسير، وكشف لهم عن موارد الانحراف والضلالة في كلّ شيء يضمن ثباتهم على الطريق المستقيم وصمودهم أمام عوامل التأثير الفاسدة في المجتمع، فالصراط الذي يمكن أن تطلعهم عليه وتدفعهم نحوه هو طريق الإيمان والمؤمنين. اطّلع على قراءاتهم ومشاهداتهم اليومية: لابدّ للمربي من أن يكون مطّلعاً على قراءات الأطفال ومشاهداتهم ويبيّن لهم كيف يجتنبون السيئ منها وينتفعون بالحسن، فعلى المربي أن يضع الخطوط الصحيحة لمسارهم حتى لا يقعوا في الأخطاء، فعندما يجلسون أمام التلفاز ويشاهدون الأفلام المتحركة، نجدهم قد فتحوا أعينهم وآذانهم وغاصوا في المشاهدة، والخطورة في تطبيقهم كلّ ما يشاهدونه على أنفسهم، واقتدائهم برجال الأفلام وأقوالهم، والمشكلة أننا قلّ ما نجد أفلاماً صالحة للمشاهدة سواءً للكبار أم الصغار، فضلاً عن الجوانب السلبية، وهي ولع الأطفال بهذا الجهاز، وضياع أوقاتهم الذي هو من أفضل الأوقات في حياة الإنسان، فيجب أن يقوم المربي بتوجيههم إلى النقاط السلبية التي يراها، ويمكن أن يعرّفهم الأمور الإيجابية التي من الممكن أن تحفز الطفل عن طريق رؤيتها والاستفادة منها في سبيل العلم والمعرفة، فالإعلام خير وسيلة لجذب الأطفال وتعليمهم أمور دينهم. .................................... (1) ميزان الحكمة: ج1، ص74. (2) الكافي: ج6، ص31.