ساعة التوديع

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 190

مع كل فجرٍ ترنو القلوب إليكِ كأمٍ ينتابها الشوق لعودة ابنها بعد طول غياب.. فنقف على بابكِ متسائلين: أَستشرق من جديد شموس ابتسامتكِ، أم سيطول الانتظار أيامًا وسنين؟ هل سنرى آثار السرور على ثغركِ الثائر، أم سنبقى نسمع نبضاتكِ الخافتة الحزينة تكتب بصمت رسائل الوجع والأنين ؟ سامراء، يا مدينة الحبيب.. حين تنفضين عن أحزانكِ غبار العصور، تظهر بوضوح حقيقة الوعد الإلهي الذي نقش على بطانات الوجود منذ أن هيمنت رسالة الإسلام في البال.. ألا تخلو الأرض من حجة، هكذا لمحتُه محفورًا بمداكِ المقدس.. وهكذا ستستمر حكايات الإمامة التي ترويها، وما كان يخبئه لهم القدر.. تاركة الأشواق ترعبنا تارةً، وتضمد جراحنا تارةً أخرى.. أجل، لقد لمحتُها هذه المرة أيضًا، صور تتدلى على سراديب ذكرياتكِ، فتبعتُها بوجل كالأعمى الذي يتحسس في الأرض الضائعة.. إنه الجواد (عليه السلام) مدى جده الرسول (صلى الله عليه وآله) فوق الأرض.. فالإمامة تقلدها وهو في سن السابعة من عمره الشريف.. فرأيتُ العزم يتكلم من خطرات العيون، فتكتحل بالعذوبة في نبرة صوته الملحنة بالقرآن.. وسمعتُ الصبر يتصبر في سكنات اللسان وسط دهشة العيون.. أجل، إنه ما يزال شابًا، لكنه ابن الرضا (عليه السلام).. إمام ابن إمام من عالم الذر، يمشي سيدًا عزيزًا منيعًا، يسقي الأرض بفيض خطواته المقدسة، فيكسوها بالزهر وعطر العدل والأمان.. ولكن هناك مَن طوى نابًا، وكشر عن ناب.. وهناك مَن خبأ سما وفتكًا في لثة الأنياب؛ ليغرسها بدون رحمة في صدر باب المراد الشريف؛ لينفس أعداء الإمامة عن صدورهم المثقلة بنار الحقد والكراهية.. وتغرق الأمة في رجسٍ الآثمين المعكرين ببلاء الجهل الذي شل كل يقظات السلام، وعجل خطوات الرحيل.. وحُرمنا من بهجة الجنان، ولفنا الحزن بردائه الأسود.. وبَعُدت عنا مطارف الفرح، فتزعزعت أركانكِ الصامدة يا سامراء.. وسُحبت في طيات عتمة الألم القاسي، تُغلف بها حنينكِ، ويختبئ في خباياكِ الغائرة.. فَقَد الكون هالات النور المتلألئ من نور الجواد (عليه السلام) الأبهى؛ ليبقى خلوده في ضمن الوعد الكبير المقطوع المعهود عند الرب العظيم.. ليكون بيد الإمام الكريمة عهد الشفاعة المخلص من العذاب والشقاء، الذي مَن يناله يمتلك روح البقاء.