ابنتي والنصيحة

زينب عبد الله العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 330

بنيتي العزيزة: أيتها السكن والوطن، يا أنشودة عمري وما فيه من أفراح وشَجَن. اعلمي عزيزتي أن كل واحد منا يحتاج إلى النصيحة، وهي كل قول طيب سديد، وكلام مثمر مفيد، فيه حث على الصلاح والهدى، ونهي عن الفساد والردى، به نسد الخلل، ونعالج الأمراض والعِلل، ونغرس في صحاري قلوب المنكسرين أشجار الأمل بغد جميل، ومستقبل أفضل، بإذن الله (عز وجل). ولأننا نحتاج إلى النصيحة على الدوام، فيلزمنا التعرف على آدابها؛ لندعو إلى الإسلام، وننصر الثقلين، إذ يقتضي ذلك الحكمة في النصح والطرح والبيان، والدقة في انتقاء العبارات، ونسج الكلمات بطريقة رائعة تفتح قلب السامع قبل الآذان، فقد يكون لأسلوبنا في نصح غيرنا دور في إنقاذه وتوبته، ونجاته من ضياعه وانتكاسته، والنصيحة يا بنتي سمة الصالحين، إذ تنبئ عن شعور عالٍ بالمسؤولية، واهتمام صادق بالآخرين، وحُسن أداء لحقوق المؤمنين، وترجمة حية لما يحمله الإنسان من الصفاء والإحسان. وكي تثمر النصائح، فلابد للناصح من أن يتحلى بالصفات الآتية: 1ـ الإخلاص لله تعالى: بأن تكون النصيحة قُربةً إليه، فلا يُرجى سواه، ولا يُطلب بالنصيحة السمعة والجاه، فالنية أساس العمل، والإخلاص من أهم عوامل القبول عند الله (عز وجل). 2ـ مراعاة السرية: فالنصيحة سرًا أدعى لقبول المنصوح، إذ يستطيع الناصح أن يتحدث معه بكل وضوح، فلا يتألم المنصوح من كلامه، ولا يواجهه بالرفض والتمرد، مثلما هو حال الكثير ممن يشعرون بالانتقاص منهم عند توجيه النصائح لهم علنًا أمام الناس، ومن هنا يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "نصحكَ بين الملأ تقريع"(1). 3ـ الرِفق والحكمة: بأن يكون لطيفًا رفيقًا بمَن ينصحه، فلا يُشعره بالألم لحدة أسلوبه وقساوة طرحه، كذلك يقدر الخطأ ويختار من النصح ما يناسبه، فيكون حديثه محببًا للنفس، مؤثرًا في الأرواح؛ لأنه يأتي بصيغة الالتماس، لا الأوامر الصارمة التي تجعل المنصوح مُصِرا على الخطأ، مُبتعدًا عن الهدى والفلاح. 4ـ العلم والوعي: فبهما يمكن التأثير والتغيير، فالمنصوح قد يبرر عمله، ويجد المخارج لفعله، ويطرح الآراء التي تدعم موقفه، وهنا يأتي دور الناصح بعلمه ووعيه في الإقناع والبيان؛ ليحمله على انتخاب الموقف الصحيح، بعيدًا عن التشنج والعصيان. 5ـ القدوة: بأن يعمل الناصح بما يقول، ويبتعد عما ينهى، فيكون المؤثر من دون كلام، الدال بهديه على عظمة الإسلام والمعصومين (عليهم السلام) والقرآن الكريم. ................................. (1) شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام): ص١٥٠.