الفتيات وبناء الذات قرآنيا

فاطمة نعيم الركابيّ/ ذي قار
عدد المشاهدات : 202

كلّ فتاة مؤمنة تبحث عن بناء ذاتها لتكون شخصية ناجحة في الحياة، مثمرة في خطواتها، مؤثرة بوجودها، لابدّ لها من أن تعود إلى كتاب الله تعالى لتحصل منه على مفاتيح أبواب معرفة السبيل إلى ذلك، والسيّدة مريم (عليها السلام) هي الأنموذج النسوي البارز المذكور في القرآن الكريم، وهي المرأة الوحيدة التي ذُكِرت باسمها الصريح، وجُعِلت آيةً للناس مثلما جاء في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آية )(المؤمنون:50)، فكلمة (آية) تعني العلامة الدالّة على الشيء، ولو تأمّلنا فيما جاء من سماتها التي صنعت منها هذه الشخصية العظيمة، فسنجد أنّ أبرزها هو صفة (القنوت)، وقد جاء في موردين: الأول: إنّها حقّقت مفهوم العبادة، فقد كانت عابدة، أي ذات صلة بالله تعالى، لها صلاة ودعاء وتسبيح وذكر، فقد قال تعالى: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (آل عمران:43)، وقد ورد (القنوت‌ هو لزوم الطاعة عن خضوع)(١)، فهذا الأمر الإلهي هو موجّه إلى كلّ فتاة لكي تغذّي روحها، وتبني وجودها المعنوي، فقوام الفتاة المؤمنة وبناؤها يبدأ من هذه المحطّة، فمن دون بناء روح قوية، لا يمكن أن تكون في حياتها ذات إعمار، وأثمار طيّبة وثابتة ودائمة. الثاني: إنّها كانت أمةً لله تعالى من حيث الخضوع والطاعة والتسليم له، فقد قال تعالى في شأنها: (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (التحريم:12(، (أي من القوم المطيعين لله، الخاضعين له، الدائمين عليه)(٢)، فسياق الآية يشير إلى أنّ معنى كونها من القانتين هو الطاعة، فبعد التصديق تأتي الطاعة. فهذا الأنموذج القرآني يعطي كلّ فتاة رؤية واضحة للمستقبل، فمَن تملك هذين المفتاحين، ألا وهما العبادة والعبودية لله تعالى، تكون من أهل الكرامة عند الله تعالى، فهما الأصل في إيصال السيّدة مريم (عليها السلام) لتكون من أهل الاصطفاء الإلهي، مثلما قال تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:42(، فمستوى اصطفائها كان مناسبًا لملكاتها الروحية، وقدراتها الذاتية في تحمّل الدور الإلهي، ألا وهو الحمل بروح الله عيسى (عليه السلام) بطريقة إعجازية، وهذان المفتاحان هما ما جعلاها ذات شخصية قوية ثابتة لتخرج به على قومها، وتتحمّل ما تحمّلت. وهكذا فكلّ فتاة يمكن أن تسير بسيرتها، فتبني وجودها الربّاني لتُصطفى لدور يتناسب مع وجودها وتكليفها الذي خُلِقت من أجل أدائه في هذا العالم. .................................................................... (1)تفسير الميزان: ج٣، ص١٨٩. (2)المصدر نفسه: ج١٩، ص٣٤٥.