رياض الزهراء العدد 195 همسات روحية
الأنس
السؤال: أنا حسّاسة ودائمة البكاء، وليس لديّ أحد أشكو إليه همّي، أعلم أنّكم ستقولون كيف تشتكين إلى الناس والله تعالى موجود؟! فأنا أعلم بذلك ومُقرّة به، فإليه يرجع الأمر وحده، لكن الإنسان يحتاج إلى مَن يقف إلى جانبه ويسانده، ويخفّف عنه آلامه، كالأمّ أو الأخت أو الصديقة، وأنا لا قريبة لي، بل وحيدة، وعندما أفكّر بهذا الموضوع أحزن كثيرًا، حيث إنّي محتاجة إلى شخص أشكو إليه وأفضفض، فماذا أفعل برأيكم؟ الجواب: نحن لا ننكر بأنّ الإنسان بحكم كونه مدنيّ الطبع وحياته الاجتماعية، يحتاج إلى مصدر يبثّ إليه همومه على نحو الفضفضة مثلما ذكرتم، لكنّ الحديث مع البشر لا يتجاوز في بعض الحالات إظهار الشكوى من الشاكي، واستماع الفرد المُشتَكى عنده، وفي بعض الأحيان قد يقوم المخلوق بحركة جزئية فيها شيء من النفع، لكن هل مشاكلنا كلّها ممّا يمكن أن يكون للبشر فيها دور فاعل مثلما يتوقّعه المتورّط في مشكلة ما؟! إنّ مقتضى العقل والفطنة هو أن يربط الإنسان قلبه وفكره بالجهة التي لا زوال لها، مَن بيده نواصي الخلق طرًّا، وهو الذي بيده أزمّة الأسباب، مَن يهيّئ الأسباب بشكل مذهل، ويكفي لمعرفة الفرق بين فعل الخالق والمخلوق، أن نلتفت إلى قوله تعالى: (...كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ )( العنكبوت:41)، وقوله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا)(النحل:68)، فواضحة نتيجة اتّخاذ العنكبوت بنفسها بيتًا، فصار من أوهن البيوت، وبين اتّخاذ النحل بيتًا، فصار مستودعًا لما فيه شفاء للناس.