مُتحَفُ ذَاكِرَةِ الإِسلَامِ بِأَنَامِلَ نُسْوِيَّة

تصوير وحوار: ليلى إبراهيم الهر
عدد المشاهدات : 496

الإسلام متجدّد ببعثته، ورسالته الخالدة، والمآسي التي مرّ بها النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) من بعده, وقد تحولّت كلّ مآسيهم إلى انتصارات. إنّ الأمّة المحمدية العلوية الحسينية أمّة حيّة ليس فقط بعلمائها ورجالها, بل بنسائها أيضاً, فكلّهم مبدعون، وكلّهم حَمَلة للرسالة المحمدية والنهج العلوي على مرّ العصور, فتقديم الشعيرة المأساوية بالشكل التجسيدي, أو الفن التشكيلي, أو الشعر, أو الفن المسرحي, هو إبداع فريد لمحبيّ أهل البيت (عليهم السلام) كما هو موضوع تحقيقنا لهذا العدد؛ (متحف ذاكرة الإسلام) الذي تجولت في أروقته كاميرا مجلة رياض الزهراء وحاورت العاملين فيه فتبيّن: أنّ الإخوة والأخوات الذين قاموا بهذا العمل الرائع بتوثيق مسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قد جسدّوا الحقب التاريخية بواسطة أعمال تجسيدية رائعة وبإمكانيات بسيطة, وعندما تتجوّل قارئي العزيز في أروقة المتحف، فإنك سوف تنتقل عبر عصور التأريخ إلى تلك الأيام التي عاشها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشكل خاص, ويحدث لك عصف ذهني, وتشاهد كيف كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعاني من أناس كلّهم غلظة؟ وكيف استطاع نشر هذا الدين العظيم؟ كما قال (صلى الله عليه وآله): “ما أُوذي نبيّ مثل ما أُوذيت”(1). متحف (ذاكرة الإسلام) هو متحف فني راقٍ جميل مميّز، وهو الوحيد في مدينة كربلاء المقدسة، وسيصبح بعد مرور الزمن من مآثر هذه المدينة المقدّسة وأمجادها بأسلوبه الرائع في إظهار الحقائق من تأريخ الإسلام, وكلّ لقطة ينظر إليها مَن لا يعرف تفاصيل التأريخ يمكن أن يتأثر بها تأثيراً كبيراً، وهو مصداقٌ للآية الكريمة: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).../ (النحل:125). وكان لمجلة رياض الزهراء حوار مع السيّد هادي الذاكري، وهو أحد المشرفين على المتحف، فقال: هذا المشروع قام بإنجازه مجموعة من النساء المؤمنات، بلغ عددهنّ (25) امرأة وفتاة، اختصّ عملهنّ بإعداد الشخصيات في المتحف، أمّا أعمال البناء والكهرباء والنجارة، فكانت بمساعدة بعض الإخوة المؤمنين. كانت الانطلاقة قبل عدّة سنوات في سوريا في منطقة السيّدة زينب، حيث استمرّ العرض لمدّة (40) يوماً, ومن ثمّ المعرض الثاني في محافظة كربلاء قبل عدّة سنوات قرب جامع الإمام الحسن بمناسبة زيارة الأربعين، واستمرّ العرض لمدّة (14) يوماً, أمّا الآن فالأمر مختلف، فهو أكثر تطوراً، ويظهر ذلك من التأثير الكبير الذي أحدثه في نفوس المتلقين الذين يعيشون الوقائع المعروضة ويتفاعلون معها. متى كان افتتاح هذا المتحف؟ افتُتح المتحف في كربلاء المقدسة يوم المبعث النبوي سنة 1435هـ، ويعدّ أول متحف في التاريخ الإسلامي وتاريخ أهل البيت (عليهم السلام) على مستوى العالم, وهذا الجهد المتميّز من نتاج لجنة إحياء شعائر أهل البيت (عليهم السلام) النسوية (بإشراف مؤسسة الإمام الشيرازي العالميّة)، وقد حضر الافتتاح عدد كبير من الشخصيات البارزة في المجتمع الكربلائي مثل: محافظ كربلاء السيد عقيل الطريحي, والسيد عبد الحسين كمونة/ ممثل بعثة الأمم المتحدّة في كربلاء, والدكتور حسين جواد أحمد/ قائم مقام مركز محافظة كربلاء المقدّسة, والشيخ جعفر الحائري, والشيخ ناصر الأسدي, والسيّد هاشم المطيري, كما حضر الحفل أمين عام منظمة اللاعنف العالمية الشيخ محمد تقي ذاكري قادما من واشنطن برفقة عميد آل الشيرازي في كربلاء سماحة العلامة السيد مهدي الشيرازي واعضاء بارزين في مكتب المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (حفظه الله) وغيرهم كثير, وتعهدّوا بدعم هذا العمل بالتبرّع الماديّ والمعنويّ لتطويره, وأبرز بوادر هذا التعاون الاتفاق مع سياحة كربلاء كي يكون المتحف في ضمن المواقع السياحية في المحافظة؛ لغرض إحضار السيّاح إلى المتحف في ضمن جولاتهم السياحيّة في المحافظة. كم بلغت الكلفة الإجمالية للمشروع؟ ايتدأنا بأمكانات متواضعة لم تتعد العشرة ملايين دينار عراقي في السنوات الماضية وقبل إنشاء هذا الصرح الثقافي واليوم الحمد لله أصبح هذا المكان معلماً لروّاد التاريخ وزوار محافظة كربلاء المقدسة, نسال الله سبحانه وتعالى لإكمال المشروع وتغطية مظلومية آل البيت (عليهم السلام). لماذا كان اختياركم لموضوع مراحل حياة النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله)؟ كي لا يكون الموضوع مختصاً بالشيعة أو المسلمين، إنما يخصّ العالم أجمع, ولو لاحظتم أول مشهد استعرض الأنبياء من أولي العزم؛ لأنّ المحافظة تستقبل سيّاحاً من كلّ العالم بخاصة في الزيارات المليونية، وهذه المبادرة تُظهر أنّ الإسلام لكلّ العالم ولا يختص بطائفة أو مذهب أو المسلمين فقط. أمّا السيّدة (هدى هادي الذاكري) أم علي مسؤولة لجنة إحياء الشعائر النسوية، فكان وصفها للجنة كالآتي: نحن فتية في العمر والتجربة، اجتمعنا لنصرة أهل البيت (عليهم السلام) عن طريق ما فهمناه واستلهمناه من تراثهم (عليهم السلام) الديني والإنساني والثقافي, فأُسّست هذه اللجنة في عام (1429هـ). ما هي نشاطاتكم الأخرى؟ أول نشاطاتنا كانت تحت شعار (ظلامة مجد وانتصار)، المعرض التجسيدي الأول الذي أقيم في سوريا سنة (1432هـ) في دمشق السيّدة زينب، واستمرّ على مدى (40) يوماً تقريباً، شمل أعمالاً فنية إبداعية تناولت تجسيد شخصيات حديث الكساء (عليهم السلام) إلى جانب مشاهد حياتهم بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله), وكانت (19) مشهد. والمعرض الثاني كان تحت شعار (الحقيقة تتجلّى)، وهو المعرض التجسيدي الثاني الذي أُقيم في العراق سنة (1433هـ) في محافظة كربلاء المقدّسة, وكان استمراراً للمعرض التجسيدي الأول علاوةً على تضمّنه بعض المشاهد الجديدة، وتكوّن من (14) مشهداً، واستمر العرض لمدة (14) يوماً حيث صادف في الزيارة الأربعينية. المتحف التجسيدي الهادف: وهو المعرض الثالث الذي يجسد سيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله), إذ ضمّ (23) مشهداً، تمثل فاصلاً زمنياً من عدد سنوات الدعوة الإسلامية التي كرّسها النبيّ الأعظم عن طريق حياته, ابتداءً من يوم مبعثه الشريف وانتهاءً بالغدير ورحيله عن هذه الدنيا والسقيفة، فضلاً عن تجسيد باقي المحطّات التاريخية المهمّة في سيرته العطرة. أين يقع المتحف؟ يقع المتحف عند مفصل المدينة القديمة من الجهة الشمالية قرب مرقد سيّدنا ومولانا أبي الفضل العباس, في شارع ميثم التمّار (بداية شارع بغداد) مقابل مطعم ركن البستان, وأوقات استقباله المتلقين من الساعة السادسة مساءً حتى الساعة العاشرة مساءً من كلّ يوم. ما المدة الزمنية التي استغرقتموها في العمل؟ استمر العمل أقل من عامين من الجهد الاستثنائي الحثيث، وتسخير الطاقات والخبرات الفنيّة العالمية من: مصممين، وفنّانين، وحرفيّين، وبجهود الخيّرين من خَدَمة الإمام الحسين الذين ضحّوا بكلّ طاقاتهم وإمكاناتهم من أجل خدمة أهل البيت (عليهم السلام). والتقينا بإحدى زائرات المتحف الدكتورة زينة الخفاجي، حيث قالت: أحيّي هؤلاء النسوة وأشدّ على أيديهنّ، وأبارك جهودهنّ، وأتمنى لهنّ التوفيق والاستمرار, وأدعو الجميع من محبيّ أهل البيت (عليهم السلام) إلى التبرّع لهنّ ومساندتهنّ. والتقينا بالأستاذ الجامعي من جامعة البصرة, المهندس سرمد عبد الحميد، وهو أيضاً أحد زائري المتحف مع عائلته، حيث قال: نادرون هم مَن يحفرون الآبار في طبقات التأريخ؛ لإخراج الجواهر إلى سطح الأرض؛ لتكون بمثابة ماء الحياة لفائدة الإنسانية, أبارك للأمّة الإسلامية أن تولد من رحمها مثل هؤلاء النسوة الخيّرات, وأدعو المؤمنين من محبيّ أهل البيت (عليهم السلام) لدعمهنّ مادياً ومعنوياً. نتمنى أن تكون هذه انطلاقة لنقل التأريخ الإسلامي إلى العالم بتجسيد الوقائع التاريخية بشكل يلامس القلب والوجدان ويحرّك المشاعر, فيكون تاريخنا مجسّداً بالواقع الحي الذي يستطيع أيّ فرد خارج الإسلام أن يراه متمثلاً بشخوص ووقائع حيّة تنقل إلى العالم الخارجي؛ كي نستطيع أن نتحدّث عن الإسلام بواقعية، وليس عن طريق الكتب فقط. .................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج1, ص102.