رياض الزهراء العدد 195 ركائز الإيمان
"...وإِذا ظننت فلا تحقق"
بعد أن تحدّثنا عن أسباب نشوء سوء الظنّ، سنتعرّض إلى مراتبه. ـ خديجة: أحد الأسئلة المهمّة التي تُثار في هذا المورد هو: هل سوء الظنّ أمر اختياريّ أم لا؟ فلو رأى الإنسان ظاهرةً معيّنةً، وأساء الظنّ بشخص بدون اختيار، فهل هذا المعنى يوجب له الذمّ والتوبيخ؟ وهل تقع هذه الحالة موردًا للتكليف؟ وكيف يمكن تعلّق الذمّ والعقاب بأمر غير اختياري؟ ويمكن أن نجيب عن هذه التساؤلات بطريقين: الأول: إنّ الظنون التي تقفز إلى ذهن الإنسان بدون اختيار منه لا تكون موردًا للذمّ والعقاب لوحدها، فلو أنّها لم تتجسّد في مرحلة العمل، ولم يترتّب عليها أثر على مستوى الممارسة والكلام، ولا يصدر من الفرد سلوك يشير إليها، فإنّها لا تقع مورد الذمّ والعقاب، ولذلك ذكر بعض علماء الأخلاق قائلًا: (وأمّا الخواطر وحديث النفس، فهو معفوٌّ عنه، ولكنّ المنهيّ عنه أَنْ تظنّ، والظنّ عبارة عمّا تركن إليه النفس ويميل إليه القلبُ)(1). ـ رقيّة: هل يمكن أن نستخلص أنّ سوء الظنّ له ثلاث مراحل: القلبي، واللساني، والعملي؟ ـ خديجة: أجل؛ فأمّا ما كان في القلب فلا يقع مشمولًا للتكليف؛ لأنّه خارج عن دائرة الاختيار، لكن ما يصدر من الإنسان بلسانه أو بعمله فهو الممنوع والحرام، ولهذا ورد في الحديث الشريف:"...وإِذا ظَننتَ فلا تَحَقِّقْ"(2). الثاني: إنّ الكثير من أشكال سوء الظنّ غير الاختيارية تتضمّن مقدّمات اختيارية في البداية أو في إدامتها واستمرارها، فالأشخاص الذين يجالسون رفاق السوء، سيحصل لهم سوء الظنّ بالأخيار، فينبغي لهم اجتناب صحبة كهذه، حتى لا تحصل لديهم حالة من سوء الظنّ تجاه الآخرين، وهذا أمر اختياري، لكن لو حصل سوء الظنّ بدون مقدّمات اختيارية، فيجب على الإنسان أن يضع في تصوّره احتمالات صحيحة إلى جانب الاحتمالات السيّئة، مثلًا يقول: إنّ هذه المرأة الأجنبية التي رأيتُها مع الشخص الفلاني، إمّا أن تكون أخته أو ابنته أو زوجته، وأمثال ذلك، فلا شكّ في أنّ تفكيرًا سليمًا كهذا سيتسبّب في إضعاف سوء الظنّ عنده، أو يزيله تمامًا من ذهنه، ولهذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "اطلُبْ لأخِيكَ عُذرًا، فَإنْ لَم تَجِدْ لَهُ عُذرًا فَالتَمِسْ لَهُ عُذرًا"(3). ............................................... (1)المحجّة البيضاء: ج5، ص268. (2)بحار الأنوار: ج55، ص320. (3)بحار الأنوار: ج ٦٥، ص٢٠٠.