مسلم بن عقيل (عليه السلام).. السفير الجدير

طيبة مهدي جابر
عدد المشاهدات : 262

مسلم بن عقيل (عليه السلام) الذي قال له أبو عبد الله الحسين (عليه السلام):"إنّي موجّهكَ إلى أهل الكوفة، وسيقضي الله من أمركَ ما يحبّ ويرضى، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنتَ في درجة الشهداء، فامضِ ببركة الله وعونه حتى تدخل الكوفة، فإذا دخلتَها فانزل عند أوثق أهلها، وادعُ الناس إلى طاعتي، فإن رأيتَهم مجتمعين على بيعتي، فعجّل عليّ بالخبر حتى أعمل على حساب ذلك إن شاء الله تعالى"(1). تلك العبارات التي توضّح المصير وتلقي الحجّة، وتوضّح بأنّ استقامة أمر الناس لا يكون إلّا بطاعتهم لإمام زمانهم. تبتدئ العبارة بدور مسلم (عليه السلام) في مَهمّة السفارة وتمثيل حجّة الله في أرضه، وهو منصب عظيم ودرجة كان مسلم (عليه السلام) جديرًا بها، وكان على درجة عالية من التسليم لقضاء الله الذي بدا واضحًا من عبارات المولى أبي عبد الله (عليه السلام)، وأجمل ما في هذا القضاء أنّه في دائرة رضا الله وحبّه في ما يقسم لأوليائه من مصير يليق بهم، ثم أطرّته المنزلة الرفيعة التي كانت لمسلم (عليه السلام) وهي رجاء الإمام الحسين (عليه السلام) أن يكون معه في الدرجة العظيمة نفسها، ويا لها من مفازة يستحقّها ذلك العظيم الذي ضحّى بكلّ ما لديه من متعلّقات حبًّا وطاعةً لإمام زمانه. ثم تسير الأمور في الحديث مسرى المقدّمات والنتائج، انطلاقًا من مبدأ قوله تعالى: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (الرعد:39)، فأخبر أبو عبد الله (عليه السلام) سفيره أنّه في حالة استقامة قلوب أهل الكوفة وإطاعتهم لأمر مولاهم يرجع له بخبرهم هذا لتعيد الدنيا حساباتها، وتزهر دولة العدل، لكنّها لم تزهر، وصدّق إبليس ظنّه بشأنهم. لقد اقتنى مسلم بن عقيل (عليه السلام) من الصفات ما يؤهّله ليكون سفيرًا جديرًا للإمام الحسين (عليه السلام)، صائنًا لأمانة مولاه، باذلًا لمهجته التي نصّ عليها قول مولانا الحسين (عليه السلام): "...مَن كان باذلًا فينا مهجته، وموطِّنًا على لقاء الله نفسه، فليرحلْ معنا..."(2)، فكان ذلك البذل وفيرًا، حتى فُنِي مسلم بن عقيل (عليه السلام) هو وأسرته. كان مستودعًا لرسائل الإمام الحسين (عليه السلام)، ومستقرًّا للحبّ والوفاء، ومثالًا للشجاعة والفداء والإيثار والتضحية، فمع ما كانت تحيط به من ظروف غدر المتأرجحين بين الدنيا والآخرة، الذين غلبت كفّة الدنيا لديهم فغدروا به، إلّا أنّه كان كفوءًا بحمل ما حُمّل من رسائل، وكانت حجّة على مَن ادّعى النصرة، ولمّا أصبح وحيدًا استند إلى دعامة العقيدة الفذّة الرصينة حتى أرعب أركان جيش الظَلمة، وأردى منهم ما أردى، وسقاهم الموت وردًا غير مورود إلى الحياة، فهو من أبناء العظيم أبي طالب (عليه السلام)، شجاع فذّ، جيش في فرد، تناوش ذؤبانهم حتى عجزوا عن مواجهته فدبّروا له المكائد، هكذا هم أسود الوغى لا ينالون إلّا غدرًا، فلم يأبه لكثرتهم، ولم يتزعزع لوحدته، بل كان يقاتل والحسين (عليه السلام) يسكن فؤاده، ويفكّر كيف يوصل إليه ما رآه من غدر وقلّة الناصر، وعلم ما سيجري على الحسين (عليه السلام)، فكان بكاؤه على حال مولاه حتى رزقه الله مواساته العطش، واستشهاد أولاده كأولاد الحسين (عليه السلام). ولو تمعّنت البشرية في ذرّية مسلم بن عقيل (عليه السلام) لوجدتها مستغرقة في حبّ محمّد وآل محمّد (صلوات الله عليهم) إخلاصًا، فعلى الرغم من صغر سنّ ولديْ مسلم بن عقيل (عليه السلام)، إلّا أنّ النصرة تفيض من تفاصيل رحيلهم عن هذه الدنيا، فأنّهم نتاج دعوة صالحة، وسلالة من الطهر والأرحام المطهّرة. هذا غيض من فيض مسلم بن عقيل (عليه السلام)، وشعاع من نوره الممتدّ عبر التأريخ مقدّمًا لنا صورة ناصعة عن الرسالي الحسيني، الذي أطّر موالاته لإمام زمانه بالوفاء والشجاعة والافتداء والنصرة بكلّ ما يملك؛ ليعلّم الفرد كيف يكون أهلًا للسفارة ومحلًّا للنصرة في كلّ الجوانب وعلى كلّ حال. ..................................... (1)موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ج، ص٣٨٠. (2)المصدر نفسه: ص ٣٩٧.