رياض الزهراء العدد 195 ألم الجراح
سجن بطعم الحرية
يا وجع قلبي على مَن نفحاتها تبكي على مَن خرجت من رحم الأنقاض و(الحمد لله) في وجهها الباهي.. يا وجع قلبي على مَن وُلِد فيها الحرف المؤلم الحزين وتعالت منه الآهات بالويلات لتهمس الذات: (يا ويلتاه) من مصائب الدهر التي اجتُزّت أرضها من الأعمار؛ ليودعها أزمنة لم تشهد إلّا فزعًا، وهي تصارع أوجاع القدر.. سامرّاء يا مدينة الجراح.. إنّ الذي ترعرع بين منارتي حنانكِ وضمّته لهفة أبوابكِ، كيف لا يعيش في وجدانه صفاء العشق لمحمّد وآله (صلوات الله عليهم)؟! فنحن حينما نكون بين حناياكِ يفصلنا الشوق عن الزمان، فننصت إلى آهات نفوس تنوح في مطامير سجون الظالمين، تجول بخيالها في زوايا الظلم في ظمأ إلى شعاع من نور الحقيقة والأمل.. تعيش رغمًا عنها مرارة الغربة، تتعثّر بأشواك الحقد التي غُرِست تحت أقدامها.. وللمرّة الأولى نرى تألّق جدران تلك السجون بفيض جود وتُقى.. توهّجت بتوهّج كيان جوهرة القدس بين ثناياها؛ لتبدأ حكاية سجن الكاظم (عليه السلام) بعد أن أضناه طول الوجد وألم اقتياده بعيدًا عن مدينة جدّه الحبيب المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، وهو يودّع كلّ حبيب ليبقى وحيدًا بلا معين.. يسير على أوجاع جور قاسٍ بساق مرضوضة، كشراب الموت يجرعها.. رحلة فيها صرخة حقّ كادت أن تُطمر بين جدران السجون، لكنّها دوّت في الآفاق لترعب قلوب الطغاة.. بتراتيل صلاته، مع سجدة خشوع طويلة تنشقّ منها السماوات السبع، فتُفتح كلّ أبواب الرحمة الإلهية.. وتدفّقت أبجديته الناطقة بالدعاء من يقين روحه الحرّة؛ لتترجم ما يحيط به من هالات النقاء.. فهومن أهل بيت يجعلون كلّ مكان وزمان نورًا للهداية.. وفي أرجائه تسبّح ملائكة الرحمن.. وتؤذّن جوارحه الفيّاضة بالحنين، فتتبارى كلّ ذرّة حوله في أن تنسكب عند قدميه، وتتطلّع إلى الكون من عينيه المشرقتين، فيحيل ذلك الظلام الأسود إلى نور توبة، تغسل دموعهم ذنوب الإثم والغفلة.. عاشت تلك الأنفاس المقدّسة حلاوة العبادة التي طالما دعا الله أن يخلو معه لينال لذّة وصاله.. حتى فاضت روحه الطاهرة بعَبرة كفّنها شعاع الخلود، وشيّعه شعاع من نور شمسكِ الذي ينير ظلمات صمتكِ يا سامرّاء.. واقتبستِ من شذراته نفحةً، ومن آلامه دمعةً..