لماذا نقع فريسة الجهل والموائد عامرة

سماهر عبد الجبّار الخزرجيّ/ ديالى
عدد المشاهدات : 165

بينما كنت أصارع النعاس ويصرعني من أجل قيلولة قصيرة خشيةَ أن يذهب وقتي هدرًا، بها أستعيد طاقتي وأجمع شتات ذهني، إذ رنّ الهاتف بصمت، رنّ بارتجاف بدون صوت، واهتزّت الطاولة التي كنتُ قد وضعتُه عليها، رفعتُ سمّاعة الهاتف بتثاقل وراح ينساب صوتي المتعب إلى المتّصل عبره. - نعم تفضّلي. - عفوًا، هل كنتِ نائمة؟ - لا، بل كِدتُ، وقد قطعتِ الوصل بيني وبين القيلولة، (قلتها بنبرة مشوبة بضحكة). - قالت: لديّ مسألة انتهت بنا إلى نقاش عقيم. نهضتُ من رقدتي، واعتدلتُ في جلستي لأستمع لتلك المسألة التي سلبت تلك الأسرة لبّهم، وأوقعتهم في سجال اضطرّهم إلى سؤالي في وقت كهذا. - قلتُ: هاتيها! - قالت: أليس صحيحًا إذا ماتت الزوجة تحرم على زوجها، فلا يحقّ له لمسها في أثناء دفنها؟ اعتراني حزن شديد كقطع الليل المظلم، وتحشرجت الكلمات في فمي وتبعثرت، فبأيّ ملّة أو شريعة ورد ذلك؟! لكنّي تمالكتُ نفسي، فمن حقّها عليّ أن أجيبها مهما كانت مسألتها. - قلتُ: لا تحرم عليه. - قالت: لكنّها تنجّست بطروء الموت عليها، والدليل على ذلك أنّنا نغسّلها غسل الميت. فركتُ صيوان أذني لعلّي لم أسمع جيدًا وأردفتُ: وهل طروء النجاسة عليها من موجبات تحريم الزوجة على زوجها؟ - أجابت بضرس قاطع: نعم. - قلتُ: فما بال الأحياء من النساء لا يحرمنَ على أزواجهنَّ إذا طرأت عليهنَّ النجاسات الأخرى والأغسال الواجبة؟! - قالت: لأنّها ترتفع بالاغتسال. - قلتُ: كذلك رفعنا نجاسة الميّت بالغسل. توقّفت قليلًا، ربّما كانت تبحث عن دليل أقوى، ثم أردفت قائلةً: لكنّها بانتقالها من دار الدنيا إلى الدار الآخرة قد انتفت الزوجية بينهما! - قلتُ: هل أنتِ متزوّجة؟ - قالت: أجل. - قلتُ: ألديكِ أولاد؟ - قالت: أجل. - قلتُ: لا قدّر الله، إذا تُوفّي أحد أبنائكِ وانتقل إلى العالم الآخر، فهل تنتفي بينه وبينكِ الأمومة والبنوّة؟! - قالت بصرامة: كلّا. - قلتُ بصرامة أشدّ: وهذه تشبه تلك. - سكتت هنيهة، ثم شكرتني وأغلقت الهاتف. ولا أدري إن كانت قد اقتنعت بكلامي أم ذهبت لتبحث عن دليل آخر! مائدة أهل البيت (عليهم السلام) ممدودة ومليئة بالمعارف، ولا أخال أنّ أحدًا في وقتنا الحالي لا يستطيع أن يتوصّل إلى المعلومة، فإن كان جاهلًا أميًّا لا يحسن القراءة فهناك مقاطع صوتية للعلماء الأجلّاء التي تملأ مواقع التواصل، وعبر كبسة زرّ تكون المعلومة حاضرة جاهزة على طبق من ذهب وهي تقول: تفضّل وتناول، فلِمَ هذا الجفاء وهذا البُعد عن موائدهم؟ ولِمَ نقع فريسة الجهل والموائد عامرة؟!