رياض الزهراء العدد 195 الحشد المقدس
وداعا يا دعوات أمي
كانت ليلتي الأخيرة في منزل العائلة تنطق بالوداع والأسى، فقد قدم والداي وأخوتي وأغلب أصدقائي لرؤيتي، وكانت أمّي تسترق النظر إليّ لنتجاذب أطراف الحديث مثل كلّ ليلة إلى أذان الفجر، لكن ليلَتها لم أتمكّن من السهر ومجالستها، فقد أخذ التعب منّي كلّ مأخذ، وتوجّهت إلى مضجعي مباشرة بعد ذهاب رفاقي، لكنّني أحسستُ بيد رحيمة تتفحّص ملامح وجهي، بيد أنّي لم أستطع أن أفتح عينيّ لرؤيتها، وعند الساعة السابعة صباحًا توجّهت إلى وَحدتي العسكرية من دون توديع أهلي، فلم أكن أعلم بأنّني لن أعود. وبينما كنّا في طريق الذهاب، أوقفتنا نقطة تفتيش، وما إن اقتربنا منها حتى قام الجنود بإنزالنا من السيارة، ولم نعرف أنا ورفيقاي ما السبب، فقد كنّا نحمل كلّ أوراقنا الثبوتية! وقاموا بوضع عصابة على أعيننا واقتادونا في طريق شعرتُ بأنّه بعيد جدًا، حينها أدركتُ بأنّنا وقعنا في كمين لعصابات داعش الإرهابية. وبعد وصولنا تعالت الأصوات المنكَرة بكلام الوعيد، وانهالوا علينا بالضرب ونحن مقيّدون، وتمّ احتجازنا في أماكن ضيّقة ذات روائح كريهة من دون ماء وطعام. وحكموا علينا بالموت لكوننا نهدّد أمن الدولة الإسلامية مثلما يزعمون ولانتمائنا للحشد المقدّس، فكان حبّ الوطن والدفاع عن معتقداتنا، وإنقاذ العوائل العراقية من بطش هذه العصابات جريمة عقوبتها الإعدام. وحين نظر إليّ كبيرهم، رأيتُ الرعب يتسرّب إلى جوفه، فلم أطأطئ رأسي، ولم أرفع صوتي توسّلًا؛ لأنّني تذوّقت طعم الشهادة وأنا بينهم، وكان صدى دعوات أمّي كأنّها تلاوة قرآن عطرة، تبشّرني بدنوّي من الجنّة، فكنتُ غارقًا في سعادة لم أعرفها سابقًا. كانت دعوات أمّي ورضاها أحد أسباب نيلي الشهادة برأس مرفوع، فحين اقتربوا لقتلي، كانت كلماتها ترنّ في مسامعي: هنيئًا لكَ الشهادة، هذا جزاء مَن كان بارًّا بوالديه، ستلتحق بركب سيّد الشهداء وأخيه العبّاس (عليهما السلام)، وصحبهما في علّيين. فهتفتُ في سرّي: وداعًا يا وطني وأصدقائي، وداعًا يا دعوات أمّي، غدًا سنلتقي عند الحبيب المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وآل بيته الأطهار (عليهم السلام).