الوقت المخصص للعائلة بين الكفاية والجودة
لطالما كان موضوع الوقت وكيفيّة استغلاله مؤرقًا، فنحاول دومًا البدء بخطّة جديدة في استثمار اليوم تقضي على ضياعنا بين عقارب الساعة والدقائق من دون عمل شيء مفيد، وأكثر ما نتمنّاه هو أن يتحوّل اليوم إلى (48) ساعة كي نستطيع إتمام مَهامّنا. ولا تنقضي شكوى الوالدينِ من الشعور بالانزعاج لضياع الوقت، أو عدم التمكّن من قضاء المزيد من الوقت مع الأبناء، إذ الشائع في الثقافة التربوية أنّ قضاء الأهل وقتًا أطول مع الطفل أو المراهق يصبّ في صالح تربيته وصحّته النفسية، في حين يضلّ الإحساس بالذنب يلاحق الوالدينِ لشعورهم أنّ الوقت الذي يقضونه برفقة أبنائهم غير كافٍ، لكن أثبتت الدراسات التربوية والنفسية أنّ كمّ الوقت الذي يقضيه الأهل مع أبنائهم ليس له أيّ نتائج مؤثّرة في تربية الأبناء، بل جودة الوقت هو الأهمّ، وهو ما يعتمد على استثماره بالأنشطة والفعّاليات والمحادثات العميقة التي من شأنها تقوية الأواصر الأسريّة، وتنمية مهارات الأولاد، وزيادة لباقتهم وتفاعلهم مع الآخرين، وهذا أثمن وأهمّ من عدد الساعات المبذولة. ويجب الإشارة إلى أنّ تعاون الأبوينِ وتقسيم الأدوار بينهما في استغلال الوقت الذي يقضيانه مع الطفل، وتحقيق الموازنة بين أعمالهما وواجباتهما تجاه أبنائهما، هو من الأمور المهمّة لإحراز النتائج المرجوّة في التربية الصالحة. ومن الضروري أن تجتمع الأسرة على مائدة الطعام في كلّ الوجبات أو بعضها؛ لتعزيز التواصل وإجراء المحادثات الهادفة مع الأبناء بغية الاطّلاع على يومياتهم في المدرسة، أو مناقشة موضوع هادف يخصّ الأسرة. كذلك تعمّد إشراك الأبناء في المهامّ اليومية كالتسوق مثلًا؛ ليتعلّموا أسلوب التعاطي والتعامل مع الآخرين، وطريقة الحساب، إضافة إلى إشراكهم في وضع مقترحاتهم على قائمة الشراء، واحترام اختياراتهم وآرائهم لإنضاج شخصيّاتهم. وتُعدّ القراءة مع الأولاد من الأفكار الرائعة لتنمية الجانب الثقافي والإبداعي لديهم، عن طريق اختيار كتاب مناسب لأعمارهم وقراءته سويًّا، وإثارة النقاشات حول فصوله، في أثناء القراءة أو بعد الانتهاء منها، فمن شأن ذلك تعزيز حبّ القراءة منذ الصغر لدى الأبناء. إذًا لا يهمّ عدد الساعات التي يقضيها الأهل مع الطفل، بل المهمّ هو طبيعة انقضاء هذا الوقت وكيفيته.