حمامة الجد سعيد
نادت أمّ هادي على هادي قائلةً: لقد انتهى الوقت المخصّص للعب، عليك أن تحضّر جدول دروس الغد. هبّ هادي صارخًا في وجهها وجهازه اللوحي في يده: ـ لن أدرس، أريد أن أكمل لعبتي، لا شأن لكِ بي! قاطعهُ صوت جدّه سعيد قائلًا: هادي!! ارتجف قلب هادي، فجدّه سيعاقبهُ لتطاولهِ على أمّه، نظرَ هادي إلى جدّهِ بعينينِ خَجِلتين. قالَ الجدّ: تعالَ معي.. تبعَ هادي جدّهُ إلى سطحِ الدار، حيثُ يرعى حماماتٍ في قفصٍ خاصٍّ. قال الجدُّ: أريدُ أن أريكَ شيئًا. كانَ الجدّ سعيد محبًّا للحيواناتِ، هاويًا لتربية الطيور، وكان لديه مجموعة من الحمام حين كان يسكن في الريف، أمّا بعد إن انتقلت العائلة إلى المدينة، فلم يُبقِ الجدُّ سوى حمامتين أو ثلاث لئلا يزعجَ الجيران بهذهِ الهواية. نظر هادي داخل القفص، فرأى فرخين صغيرين جلدهما عارٍ من الريش، يرتجفان ولا يكفّان عن الهتاف. فقال الجدّ: انظر، لقد خرجا من البيضة بالأمس. فسأله هادي: لماذا لا يكفّان عن الهتاف يا جدّي؟ قال الجدّ: لأنّهما جائعان. نظرَ هادي إلى القفص مستغربًا: لكن هناكَ الكثير من الطعامِ، لمَ لا يأكلان؟! قال الجدّ: إنّهما صغيران، ولا يستطيعان إطعامَ نفسيهما. أشفقَ هادي على الفرخين، وقال: لكن كيفَ سيعيشان من دون طعامٍ يا جدّي؟ ابتسمَ الجدّ وهو يشيرُ إلى الحمامة الأمّ: انظر... نظر هادي إلى حمامة بيضاء جميلة، تلتقطُ الحَبَّ فتأكله ثمّ تقتربُ من فرخيها، تفتحُ منقارها فيمدّ الفرخ الصغير منقاره داخل فمها، وهكذا يتنافس الصغيران على منقار الحمامة وهي تعيد الكرّةَ مرّة بعد أخرى. سأل هادي جدّه: ماذا تفعلُ الحمامة يا جدّي؟ قال الجدّ سعيد: تأكلُ الحبّ، فتقوم معدتها بهرسه فيصيرُ مناسبًا لإطعامِ الفراخ، ثمّ تقومُ بزقِّ الطعام في منقاريْ الفرخين حتى يكبرا ويصبحا قويين. قال هادي متأثّرًا: أوه.. ما أعظمها! أكمل الجدُّ حديثهُ: ثمّ إنّها تقوم بمساعدتهما، وحمايتهما، وتعليمهما الطيران. قال هادي: ولماذا تفعل هذا كلّه؟ فإنّه عمل شاقّ، لم لا تطير وتمرح وتتركهما؟ نظر الجدّ سعيد إلى وجهِ هادي قائلًا: لأنّها أمٌّ يا ولدي، تبذلُ الأمُّ كلّ ما في وسعها لحمايةِ صغيرها ورعايته؛ ليكون قويًا وقادرًا على مواجهة الحياة والنجاح فيها. تذكّر هادي أمّهُ وشعر بالخجلِ من فعلتهِ، استأذن من جدّه وأسرعَ إلى أمّهُ، فاحتضنَها وهو يقول: أنا آسف يا أمّي، سأسمعُ كلامكِ دومًا، ولا أصرخُ في وجهكِ ثانيةً.