مقدمة القران الكريم

هبة علاء الحسينيّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 292

لا يخلو أيّ كتاب من المقدّمة، سواء كان كتيّبًا أو موسوعةً، ويحرص المؤلف أو الجامع أو المحقّق أو الشارح على ذكرها، وتختلف في قصرها وطولها وما تتضمّنه من معلومات بحسب المادّة المتناوَلة أو المواضيع المبحوثة أو المشاكل المُعالَجة، لكن لِمَ كلّ هذا الحرص، وقد وجدنا المتأخّرين فضلًا عن المتقدّمين قد سلكوا هذا النهج في المصنّفات؟ حتى أنّ بعضهم قد تطول مقدّمته، وتصلح لتكون كتابًا تامّ المعنى والهدف. في البداية سنتعرّف على ما اتّفق الجميع على ذكره في المقدّمة، حيث يذكر الكاتب الدوافع التي استدعته إلى الكتابة، سواء كانت سؤالًا من محبّ للمعرفة، أو معالجة لظاهرة ما، أو حلًّا لمشكلة، وغيرها، وأيضًا يذكر الجهة التي يمكنها الاستفادة من هذه المادّة، ونوع المنهج المعتمد، وأركان البحث المُتناول، وأهمّها ذكر الهدف والفوائد المترتّبة على قراءة هذا الكتيّب أو تلك الموسوعة، وقد يذكر الكاتب سيرته الذاتية أو مَن تولّى عنه الجمع أو الشرح. وبعد الوقوف على عناصر المقدّمة، لابدّ من الوقوف على الفائدة منها، فنلاحظ أنّ عصارة الجهد الفكري للمؤلف وما يريد إيصاله إلى القرّاء قد لخّصها في تلك الأسطر، راجيًا منهم التفاعل معها والاستجابة لها، فهي بمنزلة التمهيد والخاتمة، وإنّها بحقّ لرحلة تفاعلية شائقة بين القارئ وبين الكاتب، يبدأ عندها القارئ بتكوين التصوّر الأول ليتسنّى له في ما بعد الولوج إلى عوالم النصّ التي لا تخلو من آفاق رحبة وشموس معرفة مضيئة، فإذا كان هذا ما ارتأته العقول وحرص على ذكره المتقدّمون والمتأخّرون، فجدير بنا أن نقف على كلام الله المتعال السرمدي الواحد الأحدي، الذي كتب على نفسه الرحمة وتلطّف بخلقه، فخاطبهم بكتابه على لسان نبيّه (صلّى الله عليه وآله)، وأوّل ما يتقدّم كلامه تعالى قد شمل على ما عرّف به نفسه من الصفات والأسماء، وما اشتمل عليه الدين من الركائز، بحيث يكون منها المنطلق وعليها الاعتماد والمرجع في رحلة فهم النصّ القرآني والتدبّر فيه، وقد أوضح فيها تعالى المآل والغاية، فإذا أعملنا النظر ـ ولا قياس بين كلام الخالق والمخلوق- فسنجد تلك العناصر المفتاحية وبوّابة الانطلاق نحو المعارف الإلهية في سورة الفاتحة قد ذُكرت، فهي المقدّمة والمتقدّمة، وعِدل باقي السُور، وقد قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، (الحجر:87)، أمّا الوقوف على ما اشتملت عليه، فكتب التفسير والتدبّر قد حفلت بما لا يُحصى من فضائلها، وللباحث الطلب حتى يصل إلى المستقرّ.