دور المؤسسات التعليمية في تنمية الروح النهضوية عند الأَجيال

زهراء حيدر وحيديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 194

يمثّل التعليم أحد المنابع الأساسية التي تفتح في عقل الإنسان روافد العلم والتطوّر، ولأنّ نهضة كلّ مجتمع تُقاس وفقًا لطريقة التعليم التي يتلقّاها الإنسان في أثناء مرحلة تعليمه، لذا من المهمّ جدًا أن نعرف أنّ المنهج التعليمي والمعلّم هما عاملان أساسيان في عملية صناعة الشخصية الناجحة والقوية في المجتمع، فالمنهج هو خارطة الرحلة التي تقود التلميذ إلى قمّة المعرفة، والمعلّم هو المرشد الذي يرافق التلميذ طوال مدّة رحلته، ويدلّه على الطريق، ويبيّن له الكثير من المعلومات والحقائق التي تساعده في معرفة الحياة بصورة أفضل. إنّ الرحلة التعليمية لا تقتصر على الجانب العلمي المادّي فقط، بل تشمل جوانب مختلفةً من الثقافة، والدين، والتنمية، والفنّ، وغيرها الكثير من الفروع المختلفة التي تفتح للإنسان آفاقًا كبيرة، وتقدّم له الفرص ليكتشف نفسه ويعرف طاقاته. ومثلما ذكرنا أنّ المجتمع الناجح يُقاس بوعي جيله ومقدار تطوّره، والجيل الذي يتلقّى تعليمًا متكاملًا بالتأكيد سينفع نفسه وينفع مجتمعه؛ لأنّه بُنِي على أساس صحيح ومتكامل، ولأنّ ديننا مليء بالمبادئ والقِيم الإنسانية الأصيلة التي من الممكن أن تصنع للإنسان خلفية مهمّة؛ لذا نؤكّد على أهمّية تربية أبنائنا وَفقًا لهذه المبادئ التي ستضمن صناعة جيل واعٍ مثقّف، يحمل القِيم والمبادئ الأصيلة، ولا ينجرف خلف الثقافات الدخيلة التي ظاهرها الرقيّ، وباطنها الانحراف. ولعلّ من أهمّ القضايا التي تحمل في صلبها حقيقة بقاء الإسلام، وروح التضحية والمقاومة والثبات، هي القضية الحسينية والنهضة التي قام بها سيّد الشهداء (عليه السلام) من أجل بقاء الدين، إذ إنّ هذه النهضة تجسّد في حقيقتها كافة معاني القوة والقِيم الإنسانية التي بلا شكّ تعزّز شخصية الإنسان، وتقوده نحو الصلاح والتقوى، وتزرع في داخله روح المقاومة التي تحتاج إليها الأجيال الحاضرة والقادمة، تزامنًا مع الحروب الإعلامية والثقافية التي تشنّها الجهات المعادية لإسقاط المفاهيم الإسلامية، وسَوق الأجيال نحو الضلال والانحراف. ولأنّ التعليم يؤدّي دورًا أساسيًا في نقل المبادئ السامية، وتوضيح الحقائق، وزرع الحكمة، والروح الإيمانية في نفوس التلاميذ، ارتأينا أن نحاور الأستاذ عليّ ماجد/ معلّم، وطرحنا سؤالًا عن دور المدارس في نقل القضية الحسينية، فقال: تؤدّي المدرسة دورًا كبيرًا في صناعة شخصية الإنسان التي يبدأ تكوينها في المراحل الابتدائية، ثم يستمرّ حتى المراحل المتقدّمة من دخول الطالب إلى الحرم الجامعي، إذ يقضي أغلب وقته مع زملائه والمعلّمين، ويكتسب منهم العلوم المختلفة والسجايا الأخلاقية، لكن من الجانب العلمي فنحن بصفتنا تدريسيين، ملزمين بالشرح وَفقًا للمناهج المقرّرة من قِبل وزارة التربية والتعليم، ومثلما يعلم الجميع أنّ مناهج مادّة التربية الإسلامية تحديدًا خالية من القِيم والمبادئ التي قدّمتها لنا النهضة الحسينية، وهذا ما يجعلنا نسعى في الطلب إلى الجهات المعنيّة بإعادة النظر في صياغة المناهج الدراسية، وتضمينها الحقائق الإسلامية التي تحمل في داخلها الكثير من القِيم الأخلاقية والدروس والعِبر، فالمجتمع بحاجة ملحّة إلى الوعي العاشورائي، إذ إنّ قضية عاشوراء هي قضية تاريخية تتلاءم مع كلّ مكان وزمان، فطغاة اليوم كيزيد الأمس يحاولون بكلّ الطرق أن ينالوا من الإسلام بالطرق الخبيثة عبر استراتيجياتهم المضلّة، لذا من المهمّ جدًّا أن نفضح دسائس العدوّ، ونبيّن لهذا الجيل أهمّية المقاومة والثبات على الحقّ عن طريق الدروس المهمّة التي قدّمتها لنا نهضة الإمام الحسين (عليه السلام). س: ما الذي يجب على التدريسي القيام به لتوضيح مفاهيم عاشوراء للطلّاب، وربطهم بالقضية الحسينية؟ إنّ شعور التدريسي بالمسؤولية تجاه الدين والمجتمع كفيل بأن يجعله يعمل بمهنية عالية، فيحاول على أثره أن يصنع من طلّابه جيلًا واعيًا، ومقاومًا، وحكيمًا يعرف كيف يميّز الحقّ من الباطل، ويستطيع أن يعرف إمام زمانه ويزيد زمانه، ويقف بكلّ قوة أمام العدوّ، ولا يصبح ضحية الحرب الناعمة والحروب الإعلامية التي تستهدف الشباب والمراهقين وهي تحاول أن توقعهم في مصيدة الغرب التي نهايتها الهلاك، فيخصّص التدريسي وقتًا معيّنًا من ضمن وقت المادّة العلمية، ويوضّح للطلّاب بحسب أعمارهم تفاصيل هذه القضية العظيمة التي بقي صداها إلى يومنا هذا، وبدوره يستطيع الإشارة إلى أولاد الإمام الحسين (عليهم السلام) وكيف دافعوا عن الحقّ وصمدوا حتى آخر رمق على الرغم من صِغر سنّهم، وربطها بدورهم الآن بصفتهم طلّابًا وهم يدرسون ليعملوا جاهدين في نصرة إمام زمانهم، واستشعارهم بالمسؤولية التي تقع على عاتقهم، وواجبهم تجاه التكليف الإلهي. وفي ختام كلامه أشار الأستاذ عليّ ماجد إلى نقطة مهمّة جدًّا، قائلًا: من الأمور المهمة جدًا والتي تسهّل على الطلّاب فَهم النهضة الحسينية هو ربطها بالواقع، إذ إنّ السرد التاريخي هو بلا شكّ مهمّ، لكن الأهمّ أن يستشفّ الطلاب المبادئ والقِيم التي تنقلها إلينا قضية عاشوراء وتطبيقها على أرض الواقع، فربط الواقعة التي حصلت سنة (61هـ) بالوقائع التي تحصل في عام (٢٠٢٣م) وغيره من الأعوام، هو الذي سيفكّ شفرة الوعي عند هذه الأجيال، ويشعل في قلوبهم نور البصيرة، فيلتقطون على أثرها ما يصلح دينهم ويزيد من وعيهم، فالعِبرة من النهضة الحسينية هو أن ننهض بواقعنا اليوم ونقف ضدّ الباطل، وندافع عن الحقّ ونواجه يزيد زماننا بكلّ قوة وحزم. لذا من الواجب على كلّ المدارس وإداراتها أن تزوّد الطالب بالمادّة العلمية، وهذا هو الأساس ومن أولى واجباتها، وعليها أن لا تغفل عن تخصيص دروس وحصص إثرائية تعلّم الناشئة مفاهيم عاشوراء وتضع لهم برامج خاصّة. فهدف التعليم يكمن في صناعة مجتمع معرفي، ترتكز معلوماته على الحقائق، والحكمة، والمبادئ الأصيلة التي تضمن له الحفاظ على تراثه الأصيل.