رياض الزهراء العدد 196 ألم الجراح
بالحسين (عليه السلام) تعلقي
حضر طيف عاشوراء ليعتق أنفاس مدينتي سامرّاء.. عندها تنهّد مرقدها بصوت رفيع الحسّ، فكانت صيحة الأنين ترنيمًا يهمس للكون: في كربلاء أملي. فلبّت تلك المدينة البعيدة نداء سامرّاء على حين غفلة من زمان يحول بينهما.. فإذا بكربلاء تحادثها وهي تستشعر خفقاتها المتألّمة التي تبحث عن الرضا والطمأنينة.. فعاد الردّ من مدينتي يتلعثم بثغرها الضاحك الباكي.. هذه أنتِ حقًّا؟! جليسة العشق والأنوار! هذه أنتِ التي أرقب ضياءكِ وأستنير بشمسكِ الساطعة من نور سيّد الشهداء وأهل بيته (عليهم السلام)، وأشتاق إلى ساكنيكِ الذين احتضنوا ذلك اللواء.. كربلاء، انتظرتُ لقاءكِ كلّ يوم لتلقي عليّ سلام وارث الأنبياء.. فبالحسين (عليه السلام) تعلّقي، أتنسّم من شذاه المقدّس نفحةً ولطائف العشق المتفاني بالإيثار.. وتفيضين من فيض فضائلكِ التي لم يعطِها سبحانه في العالمين لأحد سواكِ.. فتتباهى ذرّات أرضي بالانتساب إليكِ، لكنّها لم ولن تصل إلى طهر ثراكِ.. كربلاء الحسين، لماذا لا أسمع منكِ إلّا أنفاسًا تلاحقها مهابة الوداع؟ يمضي بين أنّات العبرات، يأتي صداه من كهف ذكرياتكِ بين أفانين الخيام بمرارة الدمع مع محبّين كانوا وأمسوا على غفلة من نبض الأقدار بين شهيد وحزين؟ لماذا لا تنطق أقداركِ على مدى الدهر إلّا بصوت الحسين (عليه السلام) الداعي إلى النصرة؛ ليرتفع النداء علمًا للهدى بين الأرض والسماء؟! فجأةً حال بينهما الصمت، وتسابقت قطرات الحنين، وتركت بصمة في كلّ ركن من أحياء المدينة.. وبلّلت كلّ الأرواح الظامئة لصاحب الاسم العذب (الحسين)؛ لتعانق سامرّاء الأمل بوعد اللقاء.. ترتشفه بكأس الانتظار، فتترصّد أنوار محرّم لتبحث عن مواطن الرحمة في محضر كربلاء، وتعود لتبادرها الرجاء.. كربلاء، لا تأنسي المغيب وتدعي هذه الأفئدة المتيّمة ترقب طيفكِ في ظلمات الرحيل.. يا كربلاء الحسين، ها أنا سامرّاء، أرتدي ثوب الألم، وأحترق في لظى الحرمان والبُعد، وماضيكِ الأليم نخر قواي ولم يترك إلّا فتاتًا، لكن مهما بعدت الخُطى وأخذتنا دروب الحياة، فلنا لقاء دائم وملجأ حيث أرض الحسين.. إلى بلسم الجراح، وترياق الهموم، وينبوع الماء الزلال.. سنمضي إليكِ يا أرض الشهادة والإباء؛ لنخيط جراحنا بخيط الصبر والمواساة.