رياض الزهراء العدد 196 بادر شبابك
الشعور بالوحدة.. نتاج التكنولوجيا المتنامية
أصبح الشعور بالوحدة مشكلة متنامية في العالم الحديث، يؤثر في الناس من جميع الأعمار والخلفيات، فعلى الرغم من الترابط المتزايد وسهولة الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا، إلّا أنّ الكثير من الناس يشعرون بالانفصال والعزلة عن الآخرين. أحد العوامل الرئيسة التي تسهم في نشوء هذا الشعور هو انهيار الهياكل الاجتماعية التقليدية، ففي الماضي كان الناس غالبًا يعيشون في مجتمعات متماسكة، حيث كان لديهم روابط اجتماعية قوية مع العائلة والأصدقاء والجيران، أمّا اليوم فيعيش الناس في المناطق الحضرية، أو يتنقّلون بشكل متكرّر، ممّا يزيد من صعوبة تكوين علاقات هادفة والحفاظ عليها. وأسهم ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا أيضًا في الشعور بالوَحدة من بعض النواحي، في حين يمكن أن تساعد هذه الوسائل الأشخاص في البقاء على اتّصال مع الآخرين، لكنّها أدّت إلى الشعور بالعزلة، وقد يشعر الناس بالضغط لتقديم صورة مثالية عن أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ممّا يؤدّي إلى الشعور بعدم الكفاءة وضعف الثقة بالنفس. وهناك عامل آخر أسهم في الشعور بالوحدة، وهو تزايد الأُسر المكوّنة من شخص واحد، فالكثير من الناس باتوا اليوم يعيشون بمفردهم، سواء باختيارهم أو بسبب ظروف ما، مثل الطلاق أو وفاة الزوج، فعلى الرغم من أنّ هذا النمط من الحياة يوفّر الاستقلال والحرّية، إلّا أنّه يؤدّي أيضًا إلى الشعور بالوَحدة والعزلة الاجتماعية، ولهذا الشعور عواقب وخيمة على الصحّة الجسدية والعقلية، فقد أظهرت الدراسات أنّ الشعور بالوحدة يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق ومشاكل نفسية أخرى، إضافةً إلى زيادة مخاطر الإصابة بمشكلات الصحّة البدنية، مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية. ولمكافحة هذا الشعور، من المهمّ التركيز على بناء علاقات اجتماعية ذات مغزىً مع الآخرين والحفاظ عليها، وقد يشمل الانضمام إلى النوادي المختلفة، أو المنظّمات الإنسانية، أو التطوّع في الأعمال الخيرية، أو المشاركة في الأحداث المجتمعية عبر الاتّصال مع الآخرين، سواء عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو شخصيًا، وبناء علاقات قائمة على المصالح والقِيم المشتركة. وأخيرًا، من المهمّ أن ندرك أنّ الوَحدة شعور شائع وطبيعي، لكن ينبغي السعي للحصول على الدعم من الآخرين، فهو جزء أساسي للحفاظ على الصحّة العقلية والبدنية الجيّدة، فعن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) أنّه قال: "مُعَاشَرَةُ ذَوِي الْفَضَائِلِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ"(1). ......................................................................................... (1)ميزان الحكمة: ج3، ص ١٩٨١.