رياض الزهراء العدد 196 طفلك مرآتك
"الكذب عجز"
محمّد ومهديّ ومالك ثلاثة رفاق، جمعهم منذ الصغر حبّ الإمام الحسين (عليه السلام) وخدمته في حسينية مدينتهم، وها هو هلال شهر محرّم الحرام قد بان، وموعد لبس السواد وإقامة العزاء قد حان، فكانوا كلّ يوم بعد أن يكملوا فروضهم المدرسية، يجتمعون في الحسينية ليستمعوا إلى مجلس العزاء، ثم القيام بخدمة المعزّين. وفي أحد الأيام حصل ما لم يكن في الحسبان، لقد تعالت الأصوات بين مالك ومحمّد، وحصل بينهما شجار، فقد وعد مالك محمّدًا أن يأتي ببعض مستلزمات الخدمة إلى الحسينية، لكنّه لم يفِ بوعده، بل كذب وقال بأنّه لم يعده بشيء أصلًا. حزن محمّد كثيرًا لأنّ صديقه لم يصدق بوعده، وإذا بمهديّ يقبل نحوهما مسرعًا وهو ينادي: ماذا هناك؟ ماذا حصل؟ ما بكما؟ لقد أخافني تعالي صراخكما هكذا ونحن في عزاء إمامنا أبي عبد الله (عليه السلام)! التفت محمّد نحو مهديّ وقد اغرورقت عيناه بالدموع قائلًا: - الحمد لله أنّكَ وصلتَ يا أخي مهديّ، ألم يعدنا مالك البارحة قبل أن نفترق بأن يأتي ببعض الحاجات التي كانت تنقصنا في الحسينية؟ - مهديّ: بلى، ألم يحضرها؟ - محمّد: كلّا، بل أنكر، وقال بأنّه لم يعد بشيء. - مهديّ: هداكَ الله يا مالك، لماذا قلتَ ما قلتَ وأنتَ في مجلس عزاء إمامنا الحسين (عليه السلام) الذي تعلّمنا فيه ما ورد عنه (عليه السلام) أنّ "الكذب عجز"(1)، فهل عجزتَ أن تقول الصدق، أم عجزتَ أن تعتذر أو تبيّن السبب الذي منعكَ من الوفاء بوعدكَ لنا؟! سامحكَ الله وإمامكَ الحسين (عليه السلام). أطرق مالك برأسه وهو خَجِل من فعلته، ولا يدري ماذا يقول. فقال له مهديّ: ارفع رأسكَ، فنحن قد سامحناكَ لأنّكَ أخونا، أليس كذلك يا محمّد؟ - محمّد: نعم، نعم يا أخي مهديّ. - مهديّ: بارك الله بكَ يا عزيزي محمّد، إذن يا مالك لا تَعُد إلى مثلها مجدّدًا، هل اتّفقنا؟ - مالك: نعم إن شاء الله، أنا أعتذر. وهكذا احتضنوا بعضهم، وعادت الألفة بينهم، ووعدهم أنّه لن يعود لمثلها. فقال لهم مهديّ: هيّا بنا، لقد تأخّرنا عن المجلس، فلنذهب. فذهبوا مسرعين وجلسوا تحت منبر الخطيب مستمعين، ومن ثم خدموا وعادوا إلى بيوتهم شاكرين إمامهم أن وفّقهم لتقديم العزاء وخدمته، وحفظ أخوّتهم، وتواعدوا قبل المغادرة أن يبقوا أخوة متحابّين متكاتفين صادقين مع بعضهم على حبّ الحسين (عليه السلام) إلى الأبد. ..................................................................................................... (1)موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ج، ص ٨٩٨.