مرآة المشاعر

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 280

أينما جلسنا أو تجوّلنا، يطرق أسماعنا الحديث عن أهمّية القول الحَسَن وكيفية انتقاء أعذب الكلمات وأرقّها لبدء أيّ علاقة اجتماعية ناجحة، بل إنّنا غالبًا ما نشاهد عبر شاشات التلفاز العديد من البرامج التي تتناول مهارات التواصل، وكيفية التأثير في الآخر بصورة إيجابية، إضافة إلى دَور الانطباع الأول في تكوين الجزء الأكبر من الصورة الذهنية عن الطرف الآخر، وكلّ ما سبق يبيّن الأهمّية القصوى للكلمات والأفعال، فنجد ذلك جليًّا عن طريق التأكيد عليه عبر وصايا الإمام عليّ (عليه السلام) حين قال : "زَلّة اللسان أشدّ من جرح السِنان"(1)، ونستشفّ من قوله (عليه السلام) الأثر الخطير للألم المعنوي النفسي، وذلك لعدم وضوحه بصورة جسدية ظاهرية، فجرح الجسم له علامات نشاهدها بالعين المجرّدة، من آثار للكدمات أو الدماء وغيرها، أمّا الجرح المعنوي فلا يشعر به إلّا مَن اكتوى بناره، فهو دفين في الأعماق، مكبوت الصوت، مكتوم الأنفاس، يتراكم فوق بعضه ويزداد حجمًا واتّساعًا، ولابدّ من أن يصل في يوم ما إلى مرحلة الانفجار التي لا يعلم بكيفيتها سوى الله سبحانه وتعالى. تستحضرني مواقف حدثتْ أو سمعتُ بها، حيث نلمس مشاعر متضاربة من الارتياح أو الضجر، وربّما الانزعاج أو التذمّر الذي يبدو واضحًا من الأقوال أو السلوك الذي يصدر عن الشخص المُستاء نفسيًا، فيتولّد لدينا ما يسمّى بـ(انعكاس المشاعر) أو (مرآة المشاعر)، فمثلما أنّكِ حين تقفين أمام المرآة ترين انعكاسًا لكلّ تفاصيلكِ الظاهرية، فسيكون أيضًا هناك انعكاس لمشاعر الطرف الآخر، فإن كان مرتاحًا ومطمئنًّا ويتمتّع بشخصية إيجابية، انعكس ذلك على المقابل، وشعر بالراحة والرغبة في البقاء إلى جانب جليسه وعدم مغادرة المكان، والعكس صحيح، فنجد بعضهم يريد أن يفرّ هاربًا من صاحب الشخصية الحاسدة للغير على أبسط النعم الإلهية التي منَّ الله تعالى بها عليه، أو الشخصية دائمة التذمّر والشكوى، صاحبة النظرة السوداوية لكلّ أمر يحدث، وأعتقد أنّ مَن يقرأ هذا المقال الآن، فلابدّ من أن يستحضر موقفًا واحدًا على الأقلّ مرّ به مع شخص يبثّ الطاقة السلبية، فشعر بانعكاس تلك المشاعر الخانقة تلتفّ حول رقبته، وتوصله إلى عدم القدرة على البقاء، والرغبة الشديدة في ترك المكان بأيّ طريقة كانت، وبما أنّ هذا الشعور مزعج ومؤذٍ للنفس، فيجب أن نعقد اتفاقية مع أنفسنا بأن لا نوصله إلى الآخرين، بل نكون مرآةً نقيّةً تعكس مشاعر السعادة والطمأنينة والسرور لمَن حولنا؛ لبناء مجتمع يحفّه التفاؤل من كلّ حدب وصوب. ............................. (1)ميزان الحكمة: ج4، ص٢٧٧٩.