رسالة النحر

زينب عبّاس فرهاديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 209

هوّمت عيناي، فاذا بروحي تتخطّى الأمكنة والأزمنة .. السماء منحنية تقبّل أجزاءً توزّعت على الأرض.. تتقاطر دمًا عبيطًا بكاءً؛ فيلتقي دمعها القاني بالمبكي عليه.. عويل سماوي، نحيب قدسي تتقاذفه الأكوان من كلّ صوب؛ ليلتقي عند بقايا الأنين.. ومن حوله فتيةٌ، وشيبة مضرّجون فوق تخوم الطفّ.. هدير كوثر الجنان يحوّط كبد الرسالة.. يفغر الصبر فاهُ: سادتي، اتّسعت أوعيتكم بعظيم اليقين، فما أبقيتم منّي ذرّة.. وحش كاسر، حيوان في زيّ إنسان يعتلي.. يعتلي.. صدرَ القداسة.. شهقة الوجود في آخر نفس لسيّده.. ترعد السماوات بسكّانها.. سيوف الباطل تخرج من غمد النفاق والضلال.. ويحكَ، أيّ نحر تنحر؟! أركض بكلّ ما أوتيتُ من قوة، فلا أصلُ.. أُنْهَكُ حتى الموت وليتَه نالني كي لا أرى ما أرى!! أغصّ بنداءاتي: حبيبي يا حسين، نور عيني يا حسين، حبيبي حسين!! تحتضنني أمّي، تجذب يديّ، تمسح دموعي الحرّى علّها تهدّئني .. وبلاشعور تندب معي: يا حسين! يا حبيبي يا حسين! انظر لوجهها الحنون، شفتاها تتمتمان دعوات وآيات.. يخترق صوت القرآن الكريم نافذة غرفتي: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(1).. تنحدر حروفها على القلب كماء باردٍ يروي ظمأ روحٍ عادت للتوّ من طفّ الرزايا والمنايا! يتوزّع بصري بين ما يحيطني، وتتوزّع بصيرتي بين دقائق أمور رأتها وما لم تزل تره! تفاصيل تنزع من القلب ما لا يليق بصاحبه، وتهبه نورًا يُدرك ولا يُوصف.. خطواتٌ، فإلى تجديد وضوءٍ أسبغته جوارح وجوانح! تكبير أذان الظهر يُرفع من أعلى المئذنة.. مسامع قلبي تتلقّفها من نحر القداسة: الله أكبر.. الله أكبر من الظالمين مهما طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد.. الله أكبر.. الله أكبر من جَور سلاطين الجور وإن عتوا عتوًّا كبيرًا.. أشهد أن لا إله إلّا الله.. أشهد أن لا إله إلّا الله تغسل أدران الروح والقلب.. ينساب الأذان معنىً معنى.. من نحر السبط الشهيد (صلوات الله عليه).. انتصارًا، وعلوًّا لكلمة الله تعالى، وإيذانًا بلقاء العاشق بالمعشوق.. عروجٌ إلى جنان الرحمن بإمامةِ سيّد شباب أهل الجنان.. ................................................. (1)الشعراء:227.