رياض الزهراء العدد 196 ملف عاشوراء
صيحة الإِصلاح
يومٌ ألهب القلوب ظمأً واضطرابًا، وأوقد فيها حربًا بين العقيدة والعاطفة، وطاشت العقول وبلغت القلوب الحناجر، ترجو الخلاص من هول الموقف. هنا ارتفع صوت الباطل وراح يعربد غرورًا وتيهًا، وأخذ الشيطان ينشب أظفاره النتنة في أرواح أُغشيت بصائرها وماتت ضمائرها، واستحوذ عليها حبّ الدنيا وكاد أن يعلن نصره، لولا تلك الصيحة التي شقّت فضاء الوجود، وعلت مدوّيةً تتحدّى الزمان والمكان. صيحة الحقّ أخذت تعلو ولا يُعلى عليها، سنّة الله في خلقه، وارتفع صدى النبوّة صادحًا على لسان حجّة الله في خلقه، فانساب ذلك النداء الهادر بالحقّ والخير إلى الإنسانية كلّها عبر الدهور؛ ليخلّص الإنسان من ذلّ العبودية لغير الله تعالى وغطرسة الأهواء؛ لينوّر الأفكار، ويزيح غشاوة الضلال، ويقيم الحجّة؛ ليصل صدى نهضته الخالدة إلى أبعد مدى، فسيّد الشهداء (عليه السلام) يعلم أنّه يقابل شرار الخلق، وأصحاب المطامع، وذوي الأحقاد البدرية والخيبرية والحنينية، ممّن لا يراعون فيه ولا في أهل بيته وأصحابه حرمة ولا ذمّة، ولا يقيمون للحقّ وزنًا، ولا يرون لغير المال والجاه سطوة وقوة، فأعلنها كلمةً باقيةً وحجّةً بالغةً للأجيال، وصوتًا يقرع مسامع الظالمين، ويرهب المتربّصين بالدين وأهله سوءًا. ولم تفلح كلّ محاولات أعدائه في إخماد جذوة ذلك النداء، لأنّه (عليه السلام) لم يرغب في دنيا ولا منصب، بل أراد النصر لدين جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) لتبقى واقعة عاشوراء نورًا للأحرار، يلتمسون فيها الطريق إلى الحقّ والفضيلة، والحياة الحرّة الكريمة. تعلّمنا الثبات على العقيدة مهما داهمتنا الخطوب، وكيف نتهيّأ للالتحاق بالركب المقدّس، ونجسّد أهداف نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) العظيمة تحت راية حفيده الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه الشريف)، ولا يكون ذلك إلّا حين نهذّب النفوس، ونحارب الجهل، ونقاوم الأهواء، وننكر المُنكَر ونرشد إلى الخير.