رياض الزهراء العدد 196 ملف عاشوراء
بين تعدد المنصات ووحدة الرسالة: هل يؤدي الإِعلام دوره بفعالية في عاشوراء؟
لا يقتصر دور الإعلام بوسائله وأدواته المختلفة على الأخبار ونقل المعلومة والصوت والصورة، بل له وظائف أخرى، منها التوجيه والإرشاد، وتشكيل الوعي، والإسهام في صناعة الإنسان وصياغة فكره وشخصيته، وفي الإعلام الحسيني تتكامل منصّاته المتعدّدة، مستفيدةً من الانفتاح العالمي الكبير والتكنولوجيا المتطوّرة؛ ساعيًا إلى نشر أهداف النهضة الحسينية ومبادئها السامية، وبين العِبرة والعَبرة نتساءل: ما الذي فعله الإعلام العاشورائي عبر وسائله، وكيف صاغ الخطاب الحسيني، وهل نجح في ذلك؟ في هذا السياق أجرت مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) تحقيقًا استطلعت فيه آراء بعض المتخصّصين والروّاد في المجال الإعلامي. شهد أحمد/ كاتبة وناشطة في وسائل التواصل الاجتماعي: ربّما نحتاج إلى أن نطرح سؤالًا ونجيب عنه: هل نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) عالقة في التاريخ، أم أنّها متجدّدة على مدى الأزمنة؟ وما التطبيق العملي الواقعي لذلك التجدّد؟ فنقول: إنّ الحسين (عليه السلام) تجسيد للإرادة الإلهية والصراط المستقيم، ويزيد بن معاوية كان يمثّل المسير الشيطاني وجبهة الباطل، ولكلا النهجين امتداداتهما، وهي موجودة في كلّ زمان، حيث توعّد إبليس بغواية بني آدم، إلّا المخلصين منهم. وعلينا أن نتعرّف على امتدادات النهج الحسيني في زماننا، وننصرها ونساندها بالموقف والكلمة، مثلما علينا أن نتعرّف على امتدادات طريق الشيطان أيضًا لنقف ضدّها بالكلمة والفعل والموقف، فواجبنا جميعًا أن نقدّم القضية الحسينية بأبعادها المختلفة، بخاصّة بُعد العِبرة؛ لقوله تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (يوسف:111)، فالبُعد العاطفي محرِّك قويّ للإنسان، ومظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأنصاره تحرّك العواطف الإنسانية، لكن كيف ننصر الإمام الحسين (عليه السلام) وننتصر له؟ يجب أن يتعرّف الناس على المفاهيم الحسينية الرافضة للخنوع للظالم ومساومته على الدين، ومبدأ الحرّية والاختيار عند الإمام الحسين (عليه السلام) وقوله لأنصاره: "...أنتم في حلٍّ من بيعتي..."(2)، لكنّهم يبقون ثابتين صامدين، يسيرون بأرجلهم إلى الموت لأنّهم عُشّاق، ولم يكونوا مكلّفين، واختاروا الشهادة، فإن فهم الناس بعضًا من هذه المفاهيم الحسينية، فإنّهم سينتقلون من مرحلة العَبرة إلى مرحلة العِبرة، وستصبح العاطفة والدمعة محرِّكًا لاتّخاذ الموقف الرافض، وقول كلمة (لا) أمام طاغية الزمان، فتشعل العاطفة والقلوب الملتهبة من أجل الحسين (عليه السلام) شرارة التغيير والثورة على كلّ المعتقدات الجاهلية الدخيلة، وضدّ كلّ مَن يهدّد الإسلام عبر الأفكار والمعتقدات المشبوهة. واقعة عاشوراء خطّ فطري خالد، لا طقوس سنوية متجدّدة سمانا السامرّائي/ كاتبة ومدرّسة ومدوّنة ترى أنّ مشكلة الإعلام الملتزم أنّه إعلام قاصر لا يحاول رسم أيّ صورة عميقة ثلاثية الأبعاد عن عاشوراء لدى المتلقّي، بل يحاول أن يتحدّث بلغة العامّة والوصول إلى عقولهم، لكنّه أساسًا لا يفهم العامّة، بل كلّ ما يقوم به حاليًا هو تسطيح المعلومة، وتسطيح الأمر بهذا الشكل لا يصل إلى العامّة، ولا يمكن أن تُقدّم القضايا الدينية بهذه الصورة، فالقضية الحسينية قضية وجدانية، وإيصالها يحتاج إلى مخاطبة أعمق نقطة في ضمير كلّ إنسان وشعوره وفكره، لا مجرّد دفع الناس إلى البكاء، فما يحرّك كلّ إنسان حقًّا هو فهم جوهر النهضة الحسينية وأهدافها، والانصهار في قيمها فكريًا وقلبيًا ونفسيًا. لكنّ الطريقة التي تُطرح بها القضية الحسينية في بعض الأحيان تكون غير صحيحة وتجانب حقيقتها، وهذا أمر لا يرتضيه الإنسان العاقل، فالجوانب العقلية يجب أن تُذكر أولًا لكي تُفعّل القضية الحسينية بصورة صحيحة؛ لتصل إلى الناس بصورة صحيحة، فعلينا أولًا بناء الضمير الإنساني، وبناء منظومة من القِيم التي تحكم هذا الضمير، ثمّ عرض القضية الحسينية على هذا الإنسان المتكامل، أمّا الإنسان الذي لا يلتزم بالقِيم وليس له ضمير يَقِظ، فسيمرّ من القضية الحسينية مرور الكرام. وتقول زهراء عبد الحسين قنصل/ معدّة برامج ومقدّمة في إذاعة الحقيقة: استطاعت القضية الحسينية في كلّ خطاباتها أن تجعل الناس محبّين لأهل البيت (عليهم السلام)، وموالين لهم ولنهجهم وقضاياهم، ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هي أعظم نهضة سجّلها التاريخ؛ لأنّها حرّكت عقل الأمة وفكرها قبل عاطفتها، فاليوم مع تطوّر عالمنا الإلكتروني، أصبح توسيع الأفكار لدى الناس عن القضية الحسينية يأخذنا إلى أبعاد كثيرة، فيجب أن يكون صوت الحقّ وكلمته الصدق عن هذه القضية، فأطفالنا قبل الكبار أصبحوا على معرفة كاملة بمعركة الطفّ ويوم عاشوراء، وهتك الحرمات، وسبي النساء، لكن هل هذا كافٍ؟! يجب علينا أن نوضّح أسباب النهضة الحسينية وأهدافها، ليس فقط في الجانب الديني، بل في الجانب الاجتماعي أيضًا، فرسالة الإمام الحسين (عليه السلام) ليست خاصّة بذلك الزمان، بل هي رسالة إلى كلّ العالم إلى يومنا هذا، فكيف نستمدّ من هداه وسيرته النورانية لحياتنا اليومية؟ فمع وجود الوسائل الحديثة التي توصل أصواتنا بكلّ سهولة، لا يمكن أن نتناول القضية الحسينية بشكل سطحي، فهي أكبر وأعمق بكثير، لذلك علينا نشر مضامينها الحياتية بكلّ أبعادها، لتكون خير قدوة في التعامل مع الآخرين ومع كلّ ما يحيط بنا. وترى سكينة رضا الموسويّ/ خطيبة حسينية ومعدّة برامج ومقدّمة في إذاعة الكفيل: أنّ الإعلام له تأثير بالغ، فهو السلطة الرابعة التي تأتي بعد السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهناك أنواع له، مثل الإعلام الرقمي الذي يعتمد على الصور والفيديوهات، والإعلام الإلكتروني وما يحتويه من مواقع، والإعلام الاجتماعي الذي يركّز على قضايا الناس ومشاكلهم، واليوم مع تنوّع وسائل الإعلام في أساليبها وأهدافها وأجندتها وتمويلاتها، نرى في الحسابات المادّية والرياضية أنّ الإعلام رقم (1) في العالم هو الإعلام الماسوني، وكلّ المنصّات الإعلامية العالمية بيد الاستكبار العالمي الذي تبنّى هذا المشروع، مثل الـ(فيسبوك)، وغيرها من الشبكات والمواقع. فالإعلام يتبع الجهة التي تتبنّاه، فإذا كانت الجهة تنتمي إلى حزب ما، أو تنتهج سياسة معيّنة، فسيفقد الإعلام استقلاليته ومصداقيته وحياده، فينقل للجمهور صورة منحازة، وغير دقيقة، ومغلوطة، وهذا يؤثر سلبًا في الجمهور المتلقّي، فيجب أن نكون واعين في تعاملنا وتأثرنا بما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، فأكثر المواضيع التي تتصدّر الأولوية عالميًا والتي تكون (ترند) هي فارغة من المحتوى، في حين نرى مواضيع مهمّة وحسّاسة تُهمّش إعلاميًا، منها القضية الحسينية التي لم تأخذ حجمها الحقيقي، لكنّها نجحت من الناحية الغيبية لا من الناحية الإعلامية، فالله تعالى تحدّى مَن يحارب هذه القضية في عدد من الآيات الشريفة، منها قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (التوبة:32)، ففي (بأفواههم) إشارة إلى دور الإعلام المضلّل، وما يتمتّع به من الإمكانات والتمويل الضخم، ومع كلّ هذا التطوّر والتكنولوجيا، لا يستطيع محاربة القضية الحسينية. والحديث ذو شجون وله أبعاد متعدّدة، فالمنصّات الشيعية تبذل قصارى جهدها لنشر القضية الحسينية بحسب الإمكانات المتاحة، وهناك لطف إلهي جعل الإعلام الحسيني ناجحًا، فالقوة جاءت بسبب كونها قضية إلهية ومؤثرة في النفوس. أمّا ضياء مزهر/ كاتب وعضو في الهيأة الإدارية لنقابة الصحفيين العراقيين فيقول: هناك ظاهرتان ينبغي الالتفات إليهما ووضعمها على طاولة التفكير عند مناقشة تثقيف المجتمع تجاه أيّ قضية، لاسيّما القضايا الدينية، ألا وهما التطوّر الفكري والتطوّر التكنولوجي. فهناك تطوّر فكري يشهده المجتمع، بخاصّة الجيل الحالي، حيث أصبحت ثقافات العالم المختلفة متاحة للجميع بعد أن كانت محجوبة بشكل شبه نهائي، فأصبح الشاب المسلم والعراقي بشكل خاصّ متأثرًا بصورة واضحة بالأفكار التي دخلت إلى البلد، ممّا جعله أمام خيارات متعدّدة، فراح يعيد النظر في كلّ أوجه الثقافة العقدية السائدة في المجتمع، ممّا ساعده على تقبّل الثقافات الدخيلة، لكن نشأ عنه أمران مهمّان، أولّهما التصحّر الفكريّ الذي يعاني منه، والثاني عدم تحديث الخطاب الديني من قِبل المعنيّين، وإصرارهم على خطاب العاطفة متجاهلين التطوّر الفكري الذي أشرنا إليه. أمّا الظاهرة الثانية فهي التطوّر التكنولوجي، وتُعدّ من أخطر الظواهر التي اجتاحت الفكر الإنساني، حيث إنّ منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بما تملكه من إمكانات جذب تغري المتلقّي لتقبّل ما يُطرح فيها من تضليل عقائدي وفكري، أصبحت أداةً فاعلةً للتأثير في عقلية المتلقّي، وربما يكمن السبب في عدم مواكبة هذه الموجة، وطرح أفكار جديدة بقوة الجذب نفسها. ويرى حيدر السلاميّ/ مُعدّ برامج ومقدّم في قناة كربلاء الفضائية: أنّ القضية الحسينية تمرّ اليوم بمنعطفات خطيرة وكثيرة اختلطت فيها الأصوات، وتعالت الصرخات، وتباينت الدعوات، وتنوّعت طرق التعبير والنشر، وتعدّدت الوسائط، وكثرت بشأنها نزعات التزوير ودعاوى التنوير؛ لذا ينبغي للإعلام الملتزم التقليدي أن يبدأ بعملية تجديد الخطاب وتطويعه وَفق متطلّبات المرحلة، ويشرع بتحديث آلياته لتقديم أنموذج يُحتذى به شكلًا ومضمونًا، وعدم الاكتفاء بمحاكاة النماذج الجاهزة والقوالب الجامدة، فالتثقيف عملية معقدّة، وهدف استراتيجي لا يتحقّق في أيام المناسبة، إنّما يحتاج إلى وقت طويل، وتخطيط شامل يستوعب الأبعاد كلّها، فلا يقتصر على البُعد العاطفي ويستغرق فيه طويلًا، على الرغم من كونه في الحقيقة يمثّل جواز العبور إلى سائر الأبعاد، لكن التوازن والاعتدال أبلغ تأثيرًا، وأكثر إقناعًا، وأدوم إنعاشًا للذاكرة الجمعية، فعاشوراء ملحمة كبرى تتوالى فيها الصور والمشاهد التي تستفزّ القلم وعدسة التصوير ومكبّرات الصوت، فتنساب إلى المتلقّين، وتسترسل معها المشاعر والعقول، وتنهمر الأفكار والدموع معًا؛ لترسم خطّ سَير الجَمال اللامتناهي، لذا نحتاج في إعلام اليوم إلى أنسنة عاشوراء، ونفخ الروح في كلّ ما يتّصل بها من شجر وحجر وبشر، نستنطق كلّ أشيائها وأخبارها القبلية والبعدية، ولا نقف على جانب بعينه أو زاوية بذاتها، بل نعبر بالحدث والحديث إلى ما وراء الصورة، ونكسر إطارها المتكلّس في ذاكرة العامّة والخاصّة، فالتلفاز بوصفه جهاز تثقيف جماهيري ووسيلة إعلام، لا ينبغي له التوقّف عند عتبة الوصف الروتيني لمشاهد عاشوراء التاريخية كأنّها مادّة متحفيّة، ولا التعليق عليها، أو محاولة فهمها وفكّ ألغازها العصيّة، إنّما عليه أن يعيش فيها، ويسهم في إعادة تشكيل عاشورائنا الحاليّة بأُطر ونُسُق متجدّدة، تنجذب إليها النفوس بلا تكلّف. أمّا الناقد والأكاديمي الأستاذ المساعد الدكتور عمّار الياسري فيؤكد على أنّ التلفاز من وسائل الاتّصال الجماهيرية التي أسهمت بشكل كبير في ترسيخ الثقافة الصُورية المرتبطة بالسلوك الجمعي، فالصورة فيه بوصفها منظومة متآزرة من الشفرات الدلالية الموحية مبنىً ومعنىً لديها القدرة على توجيه الخيال البصري للمتلقّي نحو رسالتها الإعلامية بواسطة تركيبها البنيوي. وممّا لاشكّ فيه أنّ القضية الحسينية تُعدّ من الموضوعات المتشاكلة مع البثّ التلفزيوني بمختلف تنوّعاته، سواء كان نقلًا مباشرًا للشعائر الحسينية، أم برامج متنوّعة، أم دراما تلفزيونية، وعن طريق متابعة البثّ الفضائي للعديد من القنوات الفضائية المعنيّة بالخطاب الحسيني، وجدنا الأعمّ منها يعمل على النقل المباشر أو المسجّل للشعائر الحسينية، مثل مراسيم العزاء، والمحاضرات، والتشابيه التي تعمل على إحياء الذكرى، في حين عملت بعض الفضائيات على إحياء القضية الحسينية عن طريق الدراما التلفزيونية، والأفلام الوثائقية والدرامية على نسقين: الأول منه تقديم الوثيقة التاريخية، والثاني تصدير الخُلُق السامي لشخصيات آل البيت (عليهم السلام)، ممّا ينعكس إيجابًا على المتلقّي في مختلف أصقاع المعمورة، فـ(الدراما) مثلما وصفها الفيلسوف الإغريقي (أرسطو) هي محاكاة لفعل نبيل كامل يشترط التطهير، أي تطهير النفس من أدرانها؛ لذا تُعدّ الدراما الحسينية خير وسيلة لإصلاح الذات الإنسانية لما لها من وقع بصري كبير، وعليه يجب على القنوات التي لم تغطِّ الدراما الحسينية والأفلام السينمائية في بثّها العمل على ذلك، حتى تصل الرسالة الحسينية إلى مختلف أصقاع المعمورة بلحاظ التركيز على الجانب الروحاني للتضحية الذي سينعكس على الذات المتلقّية بشكل كبير، ويحقّق مآلات فلسفة الفنون التلفزيونية وَفق الطروحات الأرسطية. ......................................... (1)أمالي الشيخ الصدوق: ص220.