الدور التبليغي للمرأَة في واقعة الطف: السيدة زينب (عليها السلام) أنموذجا

جنان عبد الحسين الهلاليّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 953

إنّ رسوخ ذكرى واقعة الطفّ الأليمة، جاء على خلفية مساعٍ وتضحيات جسيمة، وعن طريق التكاملية في سلسلة النهضة الإصلاحية، فقد أعدّ الإمام الحسين (عليه السلام) العُدّة لما بعد النهضة، بخاصّة وأنّ العهد كان عهد التشويه الإعلامي، فكان للمرأة مثل ما كان للرجل - سواء كانت من بني هاشم أم من سائر الناس - دور مهمّ، قامت به في أثناء تلك الواقعة، أو في ما بعد الواقعة التي بقيت حتى يومنا هذا صفحة سوداء في تاريخ البشرية، وفي المرحلة التي تلت الواقعة كانت السيّدة زينب (عليها السلام) هي الممهّدة الأولى لتبليغ النهضة وتوضيح أهدافها، فقد قبلت المَهمّة والدور الذي أراده الله لها، الدور الذي صرّح به سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) حين سُئل عن سبب اصطحابه النساء، فقال: "شاء الله أن يراهنَّ سبايا"(1)، هي مشيئة الله التي كانت في سبي زينب (عليها السلام) والنسوة اللواتي قمنَ بالدور المطلوب منهنَّ، الدور الذي حملته زينب (عليها السلام) ورفيقات الدرب هو أسمى الأدوار بعد شهادة الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام)، هو الدور التبليغي الذي كشف النقاب عن هذه الواقعة الغريبة في تاريخ الإسلام والبشرية، فكانت رسالتهنَّ كشف المستور، وإزاحة التضليل عن أهداف النهضة الحسينية أمام العالم كلّه. وترينا سيرتهنَّ المشرّفة أنّ النساء قبل معركة الطفّ وبعدها كنَّ مهيّئآت فكريًا وروحيًا لتلك الواقعة، فوطّنَّ أنفسهنَّ على الثبات وتحمّل ألم فَقْد الأزواج والأبناء والإخوان، وتحمّل مشاقّ المعركة والسبي، وبلا شكّ أنّ نصرة أهداف النهضة تقتضي حسًّا صادقًا، وعقلًا راجحًا يستدعي قوة البصيرة في مواجهة الخصوم. لذلك قام الإمام الحسين (عليه السلام) ومن قبله جدّه وأبوه وأمّه (صلوات الله عليهم) بإعداد السيّدة زينب (عليها السلام) إعدادًا رساليًا يتناسب مع المَهمّة الجهادية الإعلامية التي سوف تتحمّلها، ولولا الحركة التبليغية للعقيلة (عليها السلام) لضاعت ثمرة النهضة الحسينية، ولاندثرت دماء الشهداء، ولاختلّت الموازين الرسالية، وسُلبت الحقوق الإنسانية، ولتوجّهت المسيرة البشرية نحو الهاوية الإلحادية، ولكانت صفحات التاريخ سوداء مظلمة؛ لأنّها من دون قِيم ومبادئ سامية، فأجادت العقيلة (عليها السلام) في الاستيعاب الكامل لأهداف النهضة، والوعي في التحرّك والتبليغ، فكانت (عليها السلام) إعلامية ثائرة لا تهدأ، تستقطب الجميع، وتستغلّ كلّ زمان ومكان مناسبين لتوضيح أسباب النهضة، وقداسة أهدافها ورجالها، وتكشف حقائقها ومعالمها، حتى تستطيع أن تهيّئ الظروف السياسية المناسبة، وتوفّر الأجواء الإعلامية الملائمة التي يمكن عن طريقها أن تتحرّك ضدّ العدوّ، فلولا كربلاء لما بلغت شخصيتها هذه القمّة من التألّق والخلود، حتى صارت القدوة والقائدة الرائدة، فهي مهّدت ووجّهت ودعت النسوة إلى أن يرفعنَ صوت الحقّ في وجه السلطان الجائر مهما علا شأنه، ومهما ملك من قوّة. إنّ التاريخ خلّد العديد من النساء اللواتي ارتقينَ سنام العظمة في واقعة كربلاء، فقدّمنَ أعظم درجات التفاني في الوفاء نصرةً لأمام زمانهنَّ، وحفظنَ عهدهنَّ للزهراء (عليها السلام) بنصرة الحقّ، والحفاظ على مبادئ الإسلام. الدور التبليغي للسيّدة زينب (عليها السلام) كثرت فيه الشبهات بزعم ضعف المرأة، وثبت باليقين أنّ المرأة قادرة على صنع التغيير، والإسهام في تصحيح مسار المجتمع المنحرف، وعدم الرضوخ للظلم متى ما اقتضى الأمر لصالح دينها ومجتمعها، فليس من اليسير أن يصف المرء حال السيّدة زينب (عليها السلام) في يوم عاشوراء، تلك المرأة التي وقفت بصلابة وشموخ وهي ترى أقرب الخلق إليها يُذبحون كالأضاحي، فيما بقيت تكافح كشجرة وحيدة في مهبّ الرياح العاتية، وجلّ غايتها أن تحمل الرسالة التي سلّمها إياها أخوها الحسين (عليه السلام) وهو يهوي على رمضاء كربلاء. لابدّ من إكمال سلسلة التبليغ عن طريق مناصرة المرأة المعاصرة لنساء الطفّ، وإكمال الدور التبليغي في نصرة الدين، فالمرأة العالمة بأمور دينها قادرة على أن تنشر الفكر الحسيني الإصلاحي، وتمدّه كشعاع الضوء للعالَم، فهي مربّية الجيل، ومسؤولة عن صلاح المجتمع، وما الأهداف التي خرج من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) إلّا كانت تصبّ في مصلحة الأمة ولجميع الأجيال. ............................................. (1)بحار الأنوار: ج44، ص364.