ومنه نستقي خيرا..

ولاء عطشان الموسوي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 269

من مكان بعيد قدِمَ مكّة ليرى معالمها التي أصبح يؤمّها الجميع، ويتوافد عليها الناس من كلّ مكان، التقى شخصًا كان قد صادفه منذ مدّة في دياره وتعرّف عليه، سارا معًا ليمتّع نظره بالبيت المعمور، وقف يتأمّل قائلًا: - هل ترى ذلك السيّد المهيب؟ - أين؟ - هناك.. - نعم. - هل تعرفه؟ - نعم بالطبع، وهل هناك مَن لا يعرفه وهو سيّد قومه وابن سادة الخلق؟! - واضح عليه ذلك من هيأته المهيبة وشمائله الكريمة، لكنّي لم ألتقه من قبل. - آهٍ آهٍ، ولا تعلم ما جرى عليه من ويلات، وها هو أمامكَ يقفُ شامخًا مهيبًا. - وما الذي جرى عليه؟ - قتلوا أباه، أثخنوه بالجراح، قتلوا إخوته وأعمامه وأولاد عمومته، ورأى مصرعهم بعينيه، ولمرضٍ أقعده لم يستطع أن يقاتل معهم، لكنّه بقي مع العيال محاميًا، وأخذوه مع النساء السبايا، يدورون بهم من بلدٍ إلى آخر، وقد وقف شامخًا في مجالس الظالمين، يقرعهم بخطابه البليغ، ولو تحدّثتُ أكثر لزدتَ عجبًا وما استحملتَ. - ومَن تجرّأ على فعل ذلك؟ - أناسٌ باعوا ذممهم، عبدوا السلطة والأموال، فجاروا وأكثروا الظلم والفساد، وتجرّؤوا على السادة الأخيار. - أيّ قوةٍ يتحلّى بها إذ تحمّل كلّ ذاك؟ حقًّا يا له من شخصية عظيمة! - بلا شكّ، فهو زين للعباد، شعلة الصبر المتّقدة الذي واجه الطغاة بقوة البيان، وفضح أفعالهم الدنيئة، صوت الحقّ الناطق عن الله تعالى، الوليّ المرشد العارف، القائد السمح الذي امتازت أدعيته الملكوتية بجمال العبارات، وقوة البيان، وعمق المعارف الربّانية، فيقول في دعائه (مكارم الأخلاق): "...اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكفِنِي مَا يَشغَلُنِي الاهتِمَامُ بِهِ، وَاستَعمِلنِي بِمَا تَسأَلُنِي غَداً عَنهُ وَاستَفرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقتَنِي لَهُ..."(1)، فما أعمق هذه الكلمات بما تحمله من معنى، حيث يشير سيّد الساجدين إلى أهمّية الوقت واستثماره فيما خُلِقَ لأجله الإنسان، وما سيُسأل عنه في يوم الحساب، فيطلب من الباري تعالى أن يستفرغ أيامه من كلّ شيء، ويجعلها في الهدف الذي وُجد من أجله، فمَن يبغي صعود سلّم الكمال، فلابدّ من أن يحدّد هدفًا يكرّس وقته لتحقيقه، والهدف الذي يوصل الإنسان إلى الكمال هو الهدف المرتبط بالله تعالى، وكلّ ما في الوجود محوره يدور حول محمّد وآل محمّد (صلوات الله عليهم)، فبنعمة وجودهم نحيا، فقد جعلهم الله تعالى رحمةً للعالمين، ويبيّن لنا الإمام السجّاد (عليه السلام) في الزيارة الجامعة مكانته ومكانتهم: "...مَن أرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُم،...وَمَن قَصَدَهُ تَوَجَّهَ إليكُم، بِكُم فَتَحَ اللهُ وَبِكُم يَختِمُ..."(2). .................................................................... (1) الصحيفة السجاديّة: دعاء رقم 20. (2) من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق، ج2، ص609.