رياض الزهراء العدد 197 أنوار قرآنية
المخضود والمنضود في القرآن الكريمِ
وُصفت جنّات (أصحاب اليمين)* بأشجار السدر المخضود والطلح منضود، فقال تعالى: (وأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ* فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ* وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ) (الواقعة: 27ـ 29). فما المخضود والمنضود؟ الخضد لغةً: (الخاء والضادّ والدال أصل واحد مطّرد، يدلّ على تثنٍّ في شيء ليّن، فيُقال انخضد العود انخضادًا، أي: تثنّى من غير كسر)(1)، واستُعمل هذا اللفظ مع لفظ (السدر)، والسدر لغةً: (شجر النبق، واحدته سدرة، وسدرة المنتهى: شجرة في الجنّة، والسدر المخضود: المقطوع الشوك)(2). والنضد لغةً: (فالنون والضادّ والدال، أصل صحيح يدلّ على ضمّ شيء إلى شيء في اتّساق وجمع منتصبًا أو عريضًا، ونضدتُ الشيء بعضه إلى بعض متّسقًا أو من فوق)(3)، واستُعمل مع (الطلح) وهو شجر، وقيل: شجر الموز، أو شجر عظيم بالبادية، وهو من أكثر الأشجار التي ذُكرت عند العرب، فقد وعد الله سبحانه وتعالى عباده الصالحين؛ ليرغّبهم ويميلهم إليه: (خوطبوا ووعدوا بما يحبّون مثله؛ لأنّ فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنّة على ما في الدنيا)(4)، ولسائل أن يقول: فلِمَ وسم سدر الجنّة بصفة (المخضود) ولم يقل المقطوع، ولِمَ وصف طلح الجنّة بالـ(المنضود)؟ شجر النبق في الجنّة يختلف عن الدنيا، فهو مقطوع الشوك(5)، والطلح أيضًا مرتّب في أعذاقه بترتيب جميل. وهذان الوصفان ليزدادوا شوقًا إلى مكانتهم، ويرغبوا في الوصول إليها، فالقرآن يختار الكلمة المناسبة لوقعها المناسب، فالسدر: شجر قليل الغناء عند الأكل ويُستظلّ به، فجاء لظلّ الجنّة، وهي صورة مألوفة شائعة عند العرب من الواقع الحسّي المألوف، وربّما في ذكر نعيم الآخرة تقريب للصورة، ففي ثمار الجنّة ما تراه العيون، لكن لا تتذوّقه، وفيه بيان لقدرة الله تعالى فخاطبهم بما يألفونه ويرونه، ولما لهاتين الشجرتين من ظلّ وارف ولون مخضرّ، وظلّ واسع وهو منظر تشتهيه النفوس وتتوق إليه؛ لذلك خاطبهم القرآن الكريم بما يألفونه ويتشوّقون إليه. ................................................................ *وهم الذين يأخذون كتابهم بيمينهم يوم الحساب. (1)مقاييس اللغة: ج2، ص194. (2)المفردات: ص199. (3)المصدر السابق: ج5، ص439. (4)القرطبي: ج17، ص 208. (5)التفسير المبين: ص714.