توحد القلوبِ

ولاء عطشان الموسوي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 233

وسط فوضى العالَم العارمة وضياعه ما بين المادّة وصراع التملُّك، جميع أفراد البشر على اختلاف معتقداتهم وانتماءاتهم ينتظرون أنْ يأتي المخلّص لينتشل العالَم من ضياعه وفقره، بغضّ النظر عمّن يكون، أو متى يأتي، أو كيف. فقد جاء في العهد الجديد: (وحينئذٍ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء، وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض، ويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوة)(1)، وغير ذلك الكثير. فاختلفت في شخص المخلّص الأقوال، وتعدّدت الرؤى، حتى المسلمين الذين أخبرهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عنه اختلفوا فيه، اختلفوا في أمر الله في أوليائه. ونرى كلًّا منهم يحصي علامات ظهوره، غافلين عن البحث عنه في داخلهم بإصلاح أنفسهم؛ ليتشرّفوا بلقائه، فنأوا عنه، وانشغلوا بما يحصلون عليه من الدنيا. ينادون للقائه بألسنتهم وهم يبتعدون عنه بسلوكهم، فالقتل، والحسد، والأنانية، وعدم الإنصاف، وإيذاء بعضهم، أصبح أمرًا طبيعيًا عندهم، لذا يقول الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه): "...ولو أنّ أشياعنا وفّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لمّا تأخّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتّصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم..."(2). وإذا بحثنا عن معنى (أشياع) لغةً، فتعني: شِيعَة، جمع: شِيَع وأشْياع: 1ـ فرقة، جماعة، طائفة: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (مريم:69). 2ـ أتباع وأنصار: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ (القصص:15). فإذا الأشياع تشتّت قلوبهم ونسوا العهد، وغابت معرفتهم بالعهد لخالقهم بالوفاء لهم، فكيف يكون الحال؟! وها هو المخلّص المنتظَر يبيّن لهم أنّ سبب تأخّر اللقاء هو حالهم، حيث لم تجتمع قلوبهم على حبّ أهل البيت (عليهم السلام)، ولم تتّحد لتقترب منهم، ولو أنّهم اتّحدوا، واجتمعت قلوبهم على طاعة الله والتقرّب إليه عن طريق العترة الطاهرة مثلما أوصاهم سبحانه، لما تأخّر اللقاء بالإمام المنتظر، ولعاشوا السعادة التي طالما يبحثون عنها، يقطعون المسافات والأميال قاصدين زيارته، لكن قلوبهم شتّى، وطريق العترة المطهّرة واحد لا أفرع فيه، ولا يريدون من أشياعهم سوى القلب السليم، فكيف يكون القلب سليمًا إن تشتّتت الطرق وابتعدت الخُطى، ولم يلتقِ الأشياع في خطّ حبّهم. وكلام سيّد القلوب يربطنا بكلام أمّه الزهراء (عليها السلام) عندما قالت: "...طاعتنا نظامًا للملّة، وإمامتنا أمانًا من الفرقة..."(3)، فهو (سلام الله عليه) القائل: "...وفي ابنة رسول الله صلّى الله عليه وآله لي أسوة حسنة... "(4)، فمَن يكون طائعًا لهم وتابعًا، فإنّ طريقهم واحد لا طُرق شتّى. ............................................................................... (1)إنجيل متّى: 24،30. (2)الاحتجاج: ج٢، ص٣٢٥. (3)الخطبة الفدكية، شرح نهج البلاغة: ج16، ص211. (4)الغيبة للطوسي: ص286.