رياض الزهراء العدد 197 عطر المجالس
(فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(1)
لقد أعددتُ العدّة لاستقبال شهر صفر، ربّما سأزيد من مبلغ الصدقة، فقلبي مقبوض وتراودني أفكار مخيفة.. قالت الجارة أم أيمن ذلك بعفوية وهي تبثّ شكواها إلى أمّ حسين وبقيّة الثلّة الطيبة، ثم تابعت: بقدوم شهر صفر أضع يدي على قلبي خوفًا إلى أن ينتهي. أمّ حسين: عزيزتي، دفع الصدقات من الأمور المستحبّة في كلّ وقت وعلى كلّ حال، لكنّ التشاؤم اعتقاد لا أساس شرعي له، فكلّ الأيام هي أيام الله تعالى. أمّ عليّ: لقد توارثت أسرنا بعض التصوّرات الخاطئة، منها ما يتعارض مع تعاليم ديننا، كالتشاؤم والخوف من نحوسة هذا الشهر. أمّ أيمن: لا أبدأ عملًا مهمًّا في هذا الشهر أبدًا، لذا أنا وأبو أيمن توقّفنا عن أعمال الترميم في البيت، إضافة إلى تهيئتي الكثير من الأواني الزجاجية كي أكسرها في أول ليلة من الشهر؛ لأنّي أخاف أن يحدث ما لا تُحمد عقباه. أمّ حسين: أختي الكريمة، أنتِ مؤمنة، ومحبّة لأهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، لم يرد عنهم أنّهم تشاءموا من يوم أو شيء معيّن، ولا عطّلوا أو أجّلوا عملًا خوفًا من نحوسة يوم ما! أمّ زهراء: ولم يكسروا الأواني، ولا غير ذلك. أمّ أيمن: لكن، هكذا تعلّمنا من أهلنا، ففي هذا الشهر مناسبات حزينة ومؤلمة، منها أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، وشهادة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله). أمّ عليّ: هذا صحيح، ولكن أغلب الشهور فيها ذكريات ومناسبات حزينة، منها شهر رمضان المبارك، شهر الخير والتوبة، فيه ذكرى شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام). أمّ جعفر: علينا جعل مناسبات أهل البيت (عليهم السلام) من أفراح وأحزان فرصةً لإحياء سيرتهم العطرة ونشر علومهم النافعة. أمّ زهراء: أحسنتم، وإذا تدبّرنا أحاديث المعصومين (عليهم السلام) لوجدنا نهيًا شديدًا عن التشاؤم والتطيّر، فقد رُوي عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "مَن ردّته الطِيَرة عن حاجته، فقد أشرك"(2). أمّ زهراء: وما أجمل قول أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَن توكّل على الله، أضاءت له الشبهات"(3). أمّ جعفر: ولأنّكِ مؤمنة وموالية لأهل البيت (عليهم السلام)، فعليكِ باتّباع نهجهم. أمّ أيمن: روحي لهم الفداء، فهم ساداتنا ومَن نرجو شفاعتهم في الدنيا والآخرة، ها قد بدأتُ أشعر بالاطمئنان، جزاكنَّ الله خيرًا، وعلى الله توكّلنا. ............................................................ (1)آل عمران:159. (2)ميزان الحكمة: ج2، ص١٧٦٠. (3)المصدر نفسه: ج4، ص٣٦٦٠ .