رياض الزهراء العدد 197 ركائز الإيمان
"احترسوا من الناس بسوء الظن"
لكلّ قاعدة استثناء مثلما يُقال، وإنّ قبح سوء الظنّ على الرغم من أنّه يُعدّ قاعدة كلية، وأصلًا من الأصول الأخلاقية في دائرة علم الأخلاق، إلّا أنّه هناك استثناءات لهذا الأصل العام، وردت الإشارة إليها في الروايات الشريفة. خديجة: مَن منكُنَّ تستحضر أحاديث تبيّن بعض هذه الاستثناءات؟ رقيّة: نجد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: "إذا اسْتَوْلَى الصَّلاحُ عَلَى الزَّمانِ وَأهْلِهِ ثُمَّ أساءَ رَجُلٌ الظَنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ حَوْبَةٌ فَقَدْ ظَلَم، وَإِذا اسْتَوْلَى الْفَسادُ عَلَى الزَّمانِ وَأهْلِهِ فَأحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّرَ"(1)، فالرواية تبيّن أنّه في حال ساد الفساد والانحطاط الأخلاقي في مجتمع ما، وكان التلوّث بالرذائل الأخلاقيّة هو السائد فيه، فإنّ حسن الظنّ في حالات كهذه ليس فقط لا يعدّ من الفضائل الأخلاقية، بل يمكن أن يورّط الإنسان في عواقب سلبية ومشاكل حقيقية أيضًا. زينب: وأيضًا ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "احْتَرِسُوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ"(2)، وهذا القول أيضًا يمكن أن يكون إشارة إلى هذه الأزمان والحالات التي يسود فيها الانحطاط الأخلاقي، وإلّا فإنّ سوء الظنّ بعنوانه العام، لا يمكن أن يكون موردًا للمدح والثناء والقبول. خديجة: يمكن إذن أن نستفيد ممّا تقدّم أنّ الأصل في الأجواء الاجتماعية السالمة نسبيًا هو حسن الظنّ، وعلى العكس من ذلك إذا عاش الإنسان في أجواء فاسدة ومتخلّفة، فإنّ الأصل يجب أن يُبنى على سوء الظنّ، وطبعًا هذا لا يعني أن ينسب الإنسان بعض التُهم ويلفّق بعض العيوب والنقائص لشخص من الأشخاص، بل ينبغي الاحتياط في ظروف كهذه، لئلّا يتورّط الإنسان في مشاكل ومصاعب يفرضها عليه هذا المحيط الفاسد. غفران: وطبعًا لا ينبغي أن يكون هذا الاستثناء وهذه الروايات ذريعة بيد الأشخاص لكي يتحرّكوا من موقع سوء الظنّ بأيّ إنسان، ويقولوا إنّ هذا الزمان كثر فيه الفساد وشاع فيه الانحطاط فمن الخطأ حسن الظنّ بالناس، فحتى في الأزمنة الفاسدة والأجواء المنحطّة يجب على الإنسان أن يصنّف الناس إلى عدّة أصناف، فمنهم الصالح، ومنهم الطالح، وهناك الأخيار، وهناك مَن هو في صفّ الأشرار والمفسدين. خديجة: نعم، هو كذلك. رقيّة: ختامًا، شكرًا لكِ يا أستاذة، فالموضوع جميل، والحوار مع المؤمنين أجمل وأكثر فائدة. ........................... (1)ميزان الحكمة: ج٢، ص١٧٨٧. (2)المصدر نفسه.