رياض الزهراء العدد 91 شمس خلف السحاب
نُورٌ عَلَى الأَرضِ
إنّ الكون لا يستغني عن أشعة الشمس ودفئها الأخّاذ ولا يستبدلها بأحد من الأفلاك، ولا يوجد من يسدّ مكانها إن هي غُيّبت عن الأنظار أو اختفت من الوجود ولو للحظات، وعلى الرغم من تخلّلها المدلهم وتلبدها بالسحاب، إلّا أنها سرعان ما ستنقشع لتعود الشمس في دورتها تطلّ على بني البشر بسحر وسلام. لذا صارت الشمس مصدراً مهماً في الكون تتوقف عليها حياة مخلوقات الأرض قاطبة، فأشعتها الذهبية تنسلّ بخفاء لتفترش أرض المعمورة وتتخلّل الشوارع والأزقة والطرقات والبيوت؛ ليلتمس دفئها وبركتها الجميع من دون استثناء. في مقابل هذا الإعجاز الربانيّ العظيم وُجد محرر وقائد مغوار يهب نوره البهيّ بآيات من الإيمان والهدى ليضاهي الشمس في الإشراق والعطاء، غائب عن الأنظار لكن بركاته تفيض على الوجود بنفحات الكرم والجود. عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك عندما سأله هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته؟ فقال: “إي والذي بعثني بالنبوة إنهم ينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّاها السحاب..”.(1) عن سليمان الأعمش، عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه (عليه السلام)، عن السجاد (عليه السلام) في حديث: “ولم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها، ظاهر مشهود، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله”. قال سليمان: فقلت للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟ قال: “كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب”(2) وعلى الرغم من أننا نعيش في زمن غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وإننا ننتظر اليوم الذي يظهر فيه هذا الإمام المسدد ليقيم العدل على المعمورة كلِّها، وليتحقّق وعد الله تعالى به، لكن هذا لا يعني أنّ الانتفاع منه لا يحصل إلا يوم الظهور، بل هو حاضر ما تزال بركاته ونوره وهداه يفيض على هذه الدنيا الرحبة أملاً وشوقاً. فالناس تنتفع به على الرغم من كونه غائباً مستوراً، والتشبيه بالشمس التي سترها السحاب يقرّب الفكرة ويفكّ الطلسم المستور، فالشمس التي سترها السحاب لا نستطيع أن نراها، ولكنَّنا على الرغم من ذلك لا نحرم من نورها وفائدتها، فنبقى تحت شعاعها نعيش نهارها على الرغم من عدم رؤيتنا لها. حيث إنّ وجود الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) نفسه له بركات غيبيّة كبيرة، يكفي أنّ الله(سبحانه وتعالى) عندما ينظر إلى هذه الدنيا ليتعامل مع أهلها بما يستحقون سيكون بين أفرادها هذا الإمام المعصوم الذي بسبب وجوده يدفع النقمة والعذاب عن أهل الأرض، كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ).(3) وعليه فليبادر الموالي لأن يعمل خيراً ولينتهِ عن الشر، وأن يعاهد بارئه على السير المستقيم ويقف في صفّ نصرة الإمام الغائب بالعمل والتطبيق لا بلقلقة الكلام، والتوجه بخشوع وإخلاص إلى عمل الخيرات متحديا كلّ أوجه الانحراف والمنكرات، أملاً وسبيلاً لتعجيل ذلك اللقاء الميمون وتقريبه، كي ينهل الكون من دفء شعاع شمسه الإيماني الأصيل، ولينعم كوكب الأرض أخيراً بالخير والأمان بعد آلاف الأعوام من الظلم والشرّ والحرمان. ....................................... (1) ميزان الحكمة: ج11، ص4899. (2) بحار الأنوار: ج52، ص93-94.مستدرك سفينة البحار: ج2، ص205. (3) (الأنفال:32).