لنتحدث قليلا

زينب ناصر الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 305

فلسفة التحدّث من الأمور المهمّة والأساسية التي يجب الالتفات إليها، فالشخص المنزوي وقليل الكلام في الأسرة، سواء كان الشريك أو أحد الأبناء، بمرور الأيام سوف يعاني من تراكم ثقيل من الأعباء النفسية المكتنزة في ذاته، فنحن عندما لا نتكلّم، أو نتكلّم بصورة سيّئة ولا نسمح لمَن حولنا بإبراز مشاعرهم، فسوف يتعوّد الأخير على الكبت وعدم الإفصاح عن الأحاسيس التي اعتاد على حبسها، ومن ثمّ سوف يصبح سريع الانفعال وقليل الصبر، ويكفي أن يكون في الأسرة أنموذجًا واحدًا من هذا القبيل ليجعل الأجواء كلّها متشنّجة. وأكثر الفئات التي تعاني من هذه المشكلة هم المراهقون، حيث تكثر رغبتهم في الانزواء والابتعاد عن الوالدين، فهم يحبّون قضاء وقت أكثر في غرفهم وبمفردهم، وقد يعود السبب في ذلك إلى اقتناعهم بأنّ الآباء لا يفهمون حديثهم، ولا يدركون مشاعرهم واحتياجاتهم، فالشاب في هذه المرحلة على عكس المراحل السابقة التي كان يحبّ الحديث مع أبويه، يرفض مناقشة مواضيعه المهمّة معهما، يجيب بعبارات حازمة وموجزة، مثلما يحاول التهرّب من فتح حديث طويل في أغلب الأحيان، وفي هذه المرحلة يميل إلى ترجيح آراء أصدقائه، ويعتقد بأنّهم الأقدر والأجدر على مساعدته؛ لذا يناقش مواضيعه معهم في مجاميعه الافتراضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويكبر الأبناء ويبدؤون بالانفصال عن الأهل تدريجيًا، وفي خضمّ هذه الانتقالة، يزداد قلق الآباء، ويحاولون تشديد المراقبة، بينما يبتعد عنهم المراهق أكثر فأكثر، وتعتمد نسبة هذا الابتعاد على مدى الوعي الثقافي والبيئة والانعكاسات التي تتشكّل في خيالهم المتأثّر بالتربية. يسلك الأبناء طرقًا متنوّعة من أجل إثبات قدراتهم واكتشاف ذواتهم قد لا تروق للوالدين، خوفًا من الأخطار المحتملة التي قد ترافق هذه المحاولات المتكرّرة التي لا تقف عند حدّ، لذلك إذا أتقن الوالدان فنّ الحديث وإثارة الحوار اللطيف المليء بالحميمية والثقة والتحفيز، بعيدًا عن أسلوب الفرض والجدال، فسوف يكتشفان شيئًا فشيئًا الأمور التي تنغّص صفو حياة الأبناء، وتثير قلقهم، فيهبّان لتقديم المساعدة، وممّا يخفّف وطأة ضغوطات مرحلة المراهقة هو العلاقة الطيّبة مع الآباء، المبنيّة على الحبّ والاحترام، وتعزيز شعور الثقة بالنفس الناتج عن تحقيق نجاحات متكرّرة حتى لو كانت صغيرة، مثلما ينصح علماء الاجتماع بضرورة تنمية الوالدين لمهاراتهم باستمرار، ومحاولة تعلّم كيفية التعامل مع هذه الفئة العمرية الحسّاسة.