تسول الأطفال..حاجة أَم جريمة منظمة؟
هو ذاك الشريط الأصفر الذي يحدّد مسرح الجريمة؛ للوقوف على أسبابها عن طريق جمع الأدلّة وتحليلها، والوصول إلى الجاني، ومن ثمّ معاقبته تحقيقًا للعدالة، ولإصلاح ما فسد من سريرته، فنحاول أن نضع شريطًا أصفر حول مسرح أيّ جريمة، سواء كانت مادّية أم معنوية؛ لحصر أسبابها، محاولين منع تكرارها عن طريق وضع حلول وأفكار ومقترحات لمحاربتها، وعدم تكرارها، والحفاظ على الأمن المجتمعي، والحفاظ على الروح من تلوّث فطرتها بنوازع إجرامية مكتسبة. في بحث سريع في موضوع تسوّل الأطفال، نتفاجأ بالعديد منهم منتشرين على أرصفة الشوارع وتقاطعاتها، قد سُحقت كرامتهم وتبعثرت براءتهم وهم يمدّون أيديهم لاستجداء الناس، بعضهم لحاجته المادّية وظروفه القاسية، وبعضهم الآخر قد أُجبروا على التسوّل. أصبح تسوّل الأطفال ظاهرة خطيرة من حيث الكمّ والكيف، حيث جاء في إحدى الإحصائيات أنّ (95%) من المتسوّلين في المجتمع هم من فئة الأطفال! وتعود أسباب تسوّل الأطفال في بعض الأحيان إلى ذويهم أنفسهم لظروف مختلفة، فالعدد القليل منهم يتسوّل لضعف الحالة المادّية بسبب موت أحد الوالدين أو موت المعيل الوحيد للعائلة، أو انفصال الوالدين وعدم تحمّلهم مسؤولية أولادهما، وفي أغلب الحالات يكون أحد الوالدين أو كلاهما مَن يجبر الطفل على التسوّل والبقاء خارج المنزل لوقت متأخّر جدًا مع ما فيه من خطورة عليه؛ ليحصل على مبلغ معيّن عن طريق التسوّل حتى يُسمح له بالدخول إلى المنزل! أمّا أغلب حالات التسوّل، فتعود إلى عصابات متخصّصة بالجريمة المنظّمة بحسب تصريحات المعنيين، وهذه الجرائم المنظّمة تشمل غالبًا الاتجار بالبشر الذي لا يشمل التسوّل فقط، بل يشمل أيضًا تجارة الأعضاء البشرية واستغلال البشر في العمالة أو الأمور غير الأخلاقية وغيرها، وليس الأطفال هم المستهدفين من قِبل عصابات الجريمة المنظّمة فقط، بل يتمّ استهداف النساء أيضًا، حتى كبار السنّ، لكن الاعتماد على الأطفال يكون بشكل أكبر، بخاصّة ذوي الإعاقة منهم لكسب التعاطف معهم، إضافة إلى أنّ التسوّل المنظّم أفرز ظاهرة أبشع بكثير من التسوّل نفسه، ألا وهي ظاهرة استغلال الأطفال الرُضّع لغرض التسوّل، فإمّا أن يتمّ اختطافهم، أو شراؤهم، أو استئجارهم من أهاليهم! أجل، فبعض الأهالي يؤجّرون أطفالهم للمتسوّلين مقابل مبلغ من المال، وهذه الظاهرة مؤشّر خطر جدًا على انهيار القِيم الأسرية والإنسانية بشكل كبير، مثلما تشير إلى الانحدار الأخلاقي الذي يجرّ المتسوّلين إليه، إضافة إلى كثرة الأطفال المتسرّبين من المدارس، وكذلك انتشار جرائم السرقة والموادّ المخدّرة، وجرائم القتل، مثلما بدأ في الآونة الأخيرة الاعتماد على الأطفال المرضى أو ذوي الإعاقة لكسب الملايين بلا تعب أو مجهود، وفي جميع الأحوال فإنّ نتائج التسوّل واضحة في ما تسبّبه من خراب للنفوس والمجتمعات، ومعالجة هذه النتائج السيّئة تعتمد بشكل أساسي على تضافر الجهود بين المسؤولين والمواطنين عبر شنّ حملات اعتقال للمتسوّلين ومَن وراءهم من عصابات الجريمة المنظّمة، وتفعيل عقوبة التسوّل التي أقرّها قانون العقوبات رقم (١١١) للعام (١٩٦٩م) وَفق أحكام المادّة رقم (390)، وهي الحبس من (1ـ3) شهور بحسب حالة المتسوّل الذي تجاوز (18) عامًا، والفقرة الثانية من هذه المادّة التي تنصّ على: (إذا كان مرتكب هذه الأفعال لم يتمّ (18) عامًا من عمره، فتُطبّق بشأنه أحكام مسؤولية الأحداث في حالة ارتكاب المخالفة). مثلما نصّت المادّة رقم (391) على: (يجوز للمحكمة بدلًا من الحكم على المتسوّل بالعقوبة المنصوص عليها في المادّة السابقة، أن تأمر بإيداعه مدّة لا تزيد على سنة دارًا للتشغيل إن كان قادرًا على العمل، أو إيداعه في ملجأ أو دار للعجزة، أو مؤسّسة خيرية موثّقة إذا كان عاجزًا عن العمل ولا مال لديه يقتات منه، متى كان التحاقه بالمحلّ الملائم له ممكنًا)، وهو الحلّ الأمثل لإصلاح ما فسد من سريرة الأطفال المتسوّلين. أمّا واجب الأسرة، فيعتمد على محافظتها على الأطفال وتربيتهم بشكل صحيح، على عزّة النفس والكرامة التي تمنعهم من الاستجداء، والامتناع عن استغلال الأطفال عن طريق إجبارهم على التسوّل، إضافة إلى دَور المجتمع بتقديم النصح والإرشاد، وتبليغ الجهات المسؤولة عن حماية الأسرة، فضلًا عن التبليغ عند رصد أيّ حالة تسوّل مشبوهة يمكن أن تكون وراءها عصابات للجريمة المنظّمة، وتفعيل دَور المؤسّسات الخيرية، وتوزيع زكاة الأغنياء بشكل صحيح على الفئات المستحقّة؛ لتخليص المجتمع من الفقر والتسوّل والجريمة المنظّمة.