رياض الزهراء العدد 91 شمس خلف السحاب
لَوْ قِيلَ لَك..
لو قيل لك.. إنّ هناك حاكماً ما في بلاد معينة يرتبط البشر جميعاً به، ينعمون ببركاته، يسلمون من المكاره بفضله، يُرزقون كلّ ما يحتاجونه من مأكل ومشرب وملبس وأموال وأولاد بفضل دعائه، بل أكثر من ذلك، أصلاً هم موجودون على وجه المعمورة بفضل وجوده بينهم، أنفاسهم مرهونة بأنفاسه، سلامتهم وحفظهم من الآفات والمكاره إكراماً لعينيه، فما رأيك في ذلك؟ وكيف سيكون شعورك تجاهه وعلاقتك وارتباطك به؟ أليس من أدنى مظاهر الشكر والثناء أن تشعر بكلّ كيانك بالامتنان تجاهه؟ أليس من العقل والإنصاف أن تحرص كلّ الحرص على سلامته ودوام بقائه؟ أليس من دواعي العرفان بالجميل أن تدعو الله من أعماق قلبك أن يطيل عمره ويديم بقاءه؟ فبقاؤك ببقائه، ولولاه لما بقي حجر على حجر، وأن تعمل بكلّ ما أوتيت من قوة على إسعاده وإدخال السرور على قلبه، نعم هذا ما يحتّمه علينا العقل والفطرة السليمة، ومَن تحدّثنا عنه هو إمام زماننا عليه وعلى آبائه الطاهرين آلاف التحية والسلام. إذ إنّ حقوقه جمّة علينا لا يمكن لعقل بشري إدراكها فضلاً عن إحصائها، إلا أننا نغترف غرفة من فيض بحره، ونقتبس جذوة من سنا أنواره، فهو بأبي وأمي السبب في وجودنا ووجود سائر المخلوقات، ولولاه لما وُجدنا. وقد قال (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في التوقيع الصادر عنه: "نحن صنائع ربنا، والخلق بعد صنائعنا"(1) وقد فسّر (عليه السلام) هذا القول بقوله: (إنّ الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسّم الأرزاق؛ لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأمّا الأئمة (عليهم السلام) فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق؛ إيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم)(2)، ومع ذلك أنه وآباءه الطاهرين العلة الغائية والمقصود الأصلي من خلق جميع ما أنشأه الباري (عزّ وجل)، أمّا حقّه الآخر على الرعية فهو حقّ البقاء في الدنيا، فلولاه لما استمرت الحياة، ولما بقي على وجهها ذو روح، إذ إننا نعلم أن الموجود يحتاج إلى العلة لإيجاده ولاستمرارية وجوده وبقائه، كما يؤكد ذلك الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: "ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة لله لساخت بأهلها".(3) كذلك من جملة حقوقه علينا هو حقّ المنعم على المتنعم، وهو لا يقلّ أهمية عن سابقيه، إذ إن جميع ما تُرزقه الخلائق فهو بيمنه وببركات وجوده ودعائه، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في هذا الصدد: "بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء، وينبت عشب الأرض".(4) كذلك الإمام له حقّ الأبوة على سائر شيعته، فهو كما يصفه الإمام الرضا (عليه السلام) بأنه الوالد الشفيق: "..الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق.."(5)، فكما للوالد حقوق على ولده، كذلك للإمام حقوق على شيعته؛ لأنهم مخلوقون من طينته، ومتفرعون من شجرته، كما في تفسير قوله تعالى: (..كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)/ (إبراهيم:24) فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "أنا شجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، ومحبوهم من أمتي ورقها"(6)، وغير هذه الحقوق الكثير الكثير مما لا عدّ له ولا حصر، وبعد هذا كلّه ألا يستحقّ صاحب هذه الحقوق العظيمة علينا أن ندعو له، ونذكره، ونندبه، ونحيي أمره، ونتدارس فضائله، ونهدي له الطاعات والمبرآت، وهذا في حقّه قليل، بل أقلّ القليل. فسلام على الإمام الغائب عن عيوننا الحاضر في قلوبنا ما بقي الليل والنهار ورحمة الله وبركاته. ............................... (1) الاحتجاج: مجلد2، ص273. (2) الاحتجاج: مجلد2، ص284. (3) غيبة النعماني: ص141. (4) الكافي: مجلد1، ص144. (5) الكافي: ج1، ص200. (6) الأمالي للطوسي: ص 18.