ثروة الصمت.. خزين دولة الرضا (عليه السلام)
(إذا كان الكلام من فضّة، فالسكوت من ذهب)، حِكم وأقوال تنطقُ بالصمت لبني البشر، وتدعوهم إلى التمسّك بهِ بصفته فضيلة لن يملكها إلّا مَن يرنو إليها بالسعي والطلب، حتى ازدانت بها وصايا العلماء والأدباء والفلاسفة من قبل ميلاد السيّد المسيح حتى ميلاد الصَموت الأعظم في ساحة الحكمة القاطعة، نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله) الذي وجّه جموع المسلمين إلى اقتران الإيمان بالصمت، حيث قال: "إذا رأيتم المؤمن صموتًا وقورًا فادنوا منه، فإنّه يُلقّن الحكمة"(1)، فكان للصمت في حياة المعصومين (عليهم السلام) حيّز الفطنة والعمل الذي بان على نهجهم قويمًا ومؤثرًا عظيمًا، وصولًا إلى يد العاشر منهم، والذي بان الصمت على هويته حتى كاد أن يبلغ ذروته. لكن ما الصمت الذي عدّهُ أهل البيت (عليهم السلام) فريضةً على المؤمنين؟ وهل هو مستحبّ ومرغوب في كلّ الظروف والأحوال، أم أنّ لنقضه في بعض الأحيان استحبابًا مؤكدًا؟ عرّف الفلاسفة (الصمت) على أنّه: سكون الصوت لا سكون الفكرة، وأظهروه للمجتمع بحُلّتي النفع والضرر، فكان في منظورهم أنّ الصمت نافع، لكن بشرطه وشروطه، حتى تجسّدت تلك الشروط في شخصية الإمام الرضا (عليه السلام) الذي اختصر مفهوم الصمت بأجزل المعاني وأكثرها صعوبة، فلقد تمحورت حياته (عليه السلام) حول إخفاء البغية، والصمت على التهمة منذ اللحظة التي تولّى فيها خلافة المسلمين بعد أبيه الإمام الكاظم (عليه السلام)، والتي بدأت بحركة الواقفة الذين رفضوا ولايته، وزعموا بوقوف الأمر عند والده خوفًا منهم على خسارة الأموال التي أمّنها عندهم الإمام الكاظم (عليه السلام)، التي كانت نتيجة طمعهم، وذريعةً لنكران إمامهم، فلقد كان موقف الإمام الرضا (عليه السلام) منهم موقف الكلمة الواحدة التي تعمل على طول الزمان، ويعقبها بصمت يردّ به هوانهم وريبتهم، حتى يلمس المجتمع بذلك الفرق بين الواثق وبين المتزعزع، فلقد عمل الإمام (عليه السلام) على فصل الصمت عن السكوت على الباطل، وهذا ما ميّز وقع موقفه من الخارسين عن الحقوق، فالصمت في نهج العترة الطاهرة (عليهم السلام) هو نطق بتعقّل، وعمل بسكينة. ............................. (1)المحجّة البيضاء: ج5، ص121.