رياض الزهراء العدد 197 هندسة الحياة
تخلصي من العلاقات السامة
حياتنا عبارة عن حلقات ودوائر من العلاقات المتعدّدة صعودًا ونزولًا، تخيّم عليها مشاعر مختلطة ومتبعثرة، من كره، وحبّ، وشوق، ولامبالاة، والعديد من المسمّيات المعروفة وغيرها، فيجد الإنسان نفسه متعلّقًا بالشريك بصورة لا تنفكّ ولا تفتر، وليس بالضرورة أن يكون الشريك هذا زوجًا مثلًا، بل من الممكن أن تكون العلاقة مع الأمّ، أو الأب، أو الصديقة، وغيرها. وهناك نوع من العلاقات التي يبذل فيها أحد الطرفين كلّ ما لديه لنيل رضا الآخر، بحيث يصبح مسلوب الإرادة، لا يقوى على الرفض، ولا يتمكّن من أن يتكلّم خوفًا من فقدان الشريك وضياع مصدر الأمان الوهمي، يتقلّب في طيّات الحزن وفقدان الكرامة، ويتلوّى من لهيب روحه المحترقة قربةً لمحبوب بليد المشاعر؛ ليستجدي منه العطف والاهتمام، وفي المقابل يتمّ استنزاف كلّ علامات الثقة بالنفس واحترام الذات، ويُطلق على تلك العلاقات عنوان (العلاقات السامّة)، فهي تسري في الجسد وتنتقل إلى كلّ أجزائه كالسمّ الزعاف الذي يردي صاحبه، ويهلك كلّ ما فيه من جمال وراحة نفسية، وقد يصيبه بالشلل وعدم القدرة على التصرّف أو الحركة، وتكون هذه العلاقة مبنيّة على الأخذ فقط، أي أنّ الشخص السامّ يمتصّ كل تفاصيل حياة المحبّ له، ويستغلّه بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، فيصبح بلا وجود، جسدًا يراه الآخرون، جميلًا من الخارج وهشًّا ضعيفًا من الداخل، لا يقوى على اتّخاذ قرار الانفصال والابتعاد عن مصدر الألم. ومن المشاهد التي نراها وتشكّل صورةً من صور العلاقات السامّة، هي علاقة الطفل بوالديه، فعند الحاجة إلى مبلغ مالي أو أيّ أمر معيّن، نجد الطفل يتودّد ويتقرّب إلى والديه ليطلب ما يريد، وبمجرّد حصوله عليه ينتهي المشهد المثالي، فهذا النوع من الاستغلال العاطفي هو علاقة سامّة، مثلما أنّ إشعار الطفل بالذنب والتقصير بغية تنفيذ الأوامر، أيضًا هو علاقة غير صحيحة، وكذلك أنواع الإهانات والتقليل من شأن أحد الطرفين في العلاقة الزوجية، والشعور بالتهديد المستمرّ، إضافة إلى الشعور بالغبن والألم العاطفي. وعند التمعّن في ما سبق، نجد أنّنا محاطون بالعلاقات السامّة بشكل أو بآخر، وقد نكون جزءًا منها؛ لذا يتطلّب الأمر منّا جميعًا أن نعيَ أهمّية التخلّص من تلك العلاقات، وتدريب أنفسنا على أن لا نكون ممّن يمارس هذا النوع من العلاقات المجهدة والمؤذية نفسيًا؛ لنتمتّع بعلاقات صحّية تجلب السعادة للجميع.