رياض الزهراء العدد 198 ركائز الإيمان
(ولتكن منكم أمة يدعون إِلى الخير)
مفردة الخير من المفردات المستعملة كثيرًا والمتداولة في كلامنا، فيصبّح أحدنا الآخر أو يمسّيه بالخير، وحين يسأل أحدنا الآخر عن صحّته، يجيب: بخير والحمد لله، فهذه المفردة لها معنىً مريح للنفس، تضفي عليها جوًّا من السعادة والبهجة. والمفردة لها حضور لافت في القرآن الكريم وأحاديث المعصومين (عليهم السلام)، فمعرفة الخير والترغيب فيه وأسبابه وعوامله، مواضيع سوف نتطرّق إليها عبر عدّة محاور، منها: أولًا: ما الخير؟ الخير لغةً: (خَيْرٌ)، بمعنى أحسن وأفضل وأنفع، وأصله (أَخْيَرُ)(2). ثانيًا: كيف نميّز بين مصاديق الخير ومصاديق الشرّ؟ أي كيف نعرف أفعال الخير وأفعال الشرّ، صفات الخير وصفات الشرّ؟ يمكن التمييز بينهما بالفطرة السليمة، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجَبَله على حبّ الخير والنفور من الشرّ، وقد قال تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد:10)، أي عرّفناه على طريق الخير وطريق الشرّ بإلهام منّا، فهو يعرف الخير ويميّزه عن الشرّ، إذن الإنسان يعرف الخير بفطرته، وهذه المعرفة هي التي تميّزه عن البهائم، فعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "مَن لَم يَعرِفِ الخَيرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ بِمَنزِلَةِ البَهيمَةِ"(3). وعليه لو أنّ إنسانًا حصل لديه تردّد من موقف معيّن أهو خير أم شرّ، فيمكنه أن يزيل التردّد بالرجوع إلى فطرته، فعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): "....فإنَّ الخَيرَ طُمأنِينَةٌ، والشَّرَّ رِيبَةٌ"(4). ثالثًا: لو حصل تعارض بين تشخيص الناس وبين التشخيص الفطري للفرد، فأيّهما يقدّم؟ عليه الرجوع إلى الفطرة والوجدان، فعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "يا وابِصَةُ، استَفتِ قَلبَكَ، استَفتِ نَفسَكَ، البِرُّ ما اطمَأنَّ إلَيهِ القَلبُ واطمَأنَّت إلَيهِ النَّفسُ، والإثمُ ما حاكَ في النَّفسِ وتَرَدَّدَ في الصَّدرِ، وإن أفتاكَ النّاسُ وأفتَوكَ"(5). رابعًا: هل يُكتفى بالعقل والفطرة لمعرفة الخير، ويُستغنى عن الوحي؟ بالتأكيد كلّا، فالفطرة والعقل يحتاجان إلى كتاب الله وتعاليم الأئمة (عليهم السلام) ووصاياهم، فالعقل لوحده لا يمكن أن يشخّص جميع موارد الخير والشرّ، ولا يمكن أن يحيط بجميع مصالح الخير ومفاسد الشرّ، فقد يحسب الإنسان أمرًا من الأمور خيرًا لأنّه يرى الظاهر فقط لمحدودية إحاطته، وأمّا ما وراء هذا الأمر فخافٍ عليه، وقد يكون في ما خفي عليه مفاسد كثيرة؛ لقوله تعالى: (...وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ...) (البقرة:216). ...................................... (1)آل عمران:104. (2)المصباح المنير: ج1، ص186. (3)العقل والجهل في الكتاب والسنّة: ص109. (4)ميزان الحكمة: ج4، ص٣٥١١. (5)المصدر نفسه.