مقام النورانية
للمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) العديد من المقامات المنيفة والرتب الشريفة، منها مقام النورانيّة، فقد رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "إِنَّ اللَّهَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ خَلَقَ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وآله وَعِتْرَتَهُ الْهُدَاةَ الْمُهْتَدِينَ، فَكَانُوا أَشْبَاحَ نُورٍ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ"(1). وقد تطرّق إلى حقيقتهم الشريفة هذه الإمام عليّ (عليه السلام) في (حديث النورانيّة) الذي رواه العلّامة المجلسي في موسوعته (بحار الأنوار) في باب معرفتهم بالنورانيّة، ومن أهمّ ما تضمّنه هذا الحديث أنَّ معرفتهم بالنورانية معرفةُ الله (عزّ وجلّ)، ويُقصد بمعرفتهم بالنورانيّة هو أنّ حقيقتهم (عليهم السلام) تتّصف بالنورانيّة التي تشير إلى أصل خلقهم من نور الأنوار، وأنّ هذه الحقيقة تباين حقائق سائر الخَلق؛ لأنّهم (عليهم السلام) واسطة الفيض، وقد بيّن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيه أنّ الإيمان بولايتهم أمر صعب مستصعَب، لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، ثم بيّن أنّ المؤمن المُمتحَن هو الذي لا يرد من أمرهم إليه بشيء إلّا شرح صدره لقبوله، ولم يشكّ ولم يرتَبْ. ثم تناول الإمام (عليه السلام) معرفة الناس إياهم بالنورانيّة بالشرح والتوضيح، حتى قال: "مَن آمن بما قلتُ، وصدّق بما بيّنتُ وفسّرتُ وشرحتُ وأوضحتُ ونوّرتُ وبرهنتُ، فهو مؤمن ممتحَن، امتحن الله قلبه للإيمان، وشرح صدره للإسلام، وهو عارف مُستبصرٌ قد انتهى وبلغ وكمل، ومَن شكّ وعَنَد وجحد ووقفَ وتحيّر وارتاب، فهو مُقصّرٌ وناصب"(2). فمعرفتهم (عليهم السلام) بالنورانيّة هي السبيل للخروج من الشكّ والارتياب إلى استكمال الإيمان، ومن الإيمان المُستعار إلى الإيمان الثابت وحُسن العاقبة، وهي سبيل الوصول إلى مقام مَن امتحن الله تعالى قلبهم للإيمان مثلما تقدّم، بل هي السبيل لرفع الدرجات، إذ ختم حديثه (عليه السلام) بقوله: "فهذا معرفتي بالنورانيّة، فتمسّك بها راشدًا؛ فإنّه لا يبلغ أحدٌ من شيعتنا حدَّ الاستبصار حتى يعرفني بالنورانيّة، فإذا عرفني بها كان مُستبصرًا بالغًا كاملًا قد خاض بحرًا من العلم، وارتقى درجةً من الفضل، واطّلع على سرٍّ من سرِّ الله، ومكنون خزائنه"(3). إذن، فعلى كلّ مؤمن ومؤمنة معرفة ولايتهم في مقامها النورانيّ، ولو يعتقد بأنّهم عباد مخلوقون لله تعالى مع علوّ مقاماتهم من جهة، ويعتقد بأنّ كلّ ما لديهم من فضائل ومناقب هي منه سبحانه من جهة أخرى مثلما أشار إلى ذلك (عليه السلام)، وإلّا فلربما يندرجان في مرتبة الشاكّين المُرتابين المقصّرين ـ العياذ بالله ـ مثلما ورد في الحديث؛ لأنّ الشكّ قسمان: فعليٌّ يتساوى فيه الإيمان مع عدمه فعلًا، وشكّ بالقوة، يتمثّل بالاستعداد للشكِّ مُستقبلًا على الرغم من الإيمانِ الحالي! من هُنا كان الجاهل بمقام النورانيّة مستعدًّا للشكّ عند الفتن والشبهات، بل ربّما ينتقل إلى الارتياب، والارتياب هو التكذيب بالشيء مع اتّهامه، إذ إنّ المؤمن ربّما ينتقل من الشكّ إلى الارتياب بسبب ضعف المعرفة. .................................................................... (1)الكافي: ج1، ص442. (2)بحار الأنوار: ج26، ص٦. (3)المصدر نفسه: ج26، ص7. السؤال التفاعلي: للمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) العديد من المقامات المنيفة والرتب الشريفة، منها مقام النورانيّة، فمَن من الأئمة (عليهم السلام) ذكر (حديث النورانيّة)؟