رياض الزهراء العدد 198 أنوار قرآنية
النصر والانتصار في القرآن الكريم
أكّد القرآن الكريم على ضرورة طلب النصر من الله تعالى عبر سلوك الطريق الصحيح والتعاون على تحقيقه، والشواهد القرآنية على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)الأنفال:64، وقوله تعالى: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي )طه:29، وقوله تعالى: ( ... قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ... )آل عمران:52، لقد طلب الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) من الله تعالى أنصارًا لدينه لتحقيق النصر الإلهي، أمّا عوامل تحقيق النصر في المنظور القرآني فعديدة، منها: أولًا: توافر اللياقة العملية لدى القائد، سواء الفكرية أو البدنية؛ لقوله تعالى: ( وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ )البقرة:247. ثانيًا: ضرورة تحلّي الجنود بمواصفات تلائم المستوى المطلوب للانتصار، فالنوعية أهمّ من العدد؛ لقوله تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )البقرة:٢٤٩. ثالثًا: ضرورة تحلّي الجنود بالصبر والاستقامة؛ لقوله تعالى: (قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا )البقرة:250. رابعًا: تشخيص الخصم والتعرّف عليه من قِبل الجنود، فأتباع (طالوت) عرفوا خصمهم من الكفّار، ولذلك قاتلوهم، مثلما قال تعالى: (وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )البقرة:250، وقد قال سيّد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) : " فإنّي لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي"(١)؛ لذلك انتصر في فتحه الكبير. أمّا كيفية نصر الله تعالى لعباده المؤمنين، فاتّخذت صورًا متعدّدة، منها: 1ـ توحيد الصفوف وتأليف القلوب: وهذا بحدّ ذاته يمثّل بادرة من بوادر النصرة الإلهية، كقوله تعالى: (وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَام ) الأنفال:11. 2ـ تقوية القلوب: عن طريق تثبيتها الموجب لتجلّي النصر الإلهي، مثلما جاء في قوله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ )إبراهيم:27. 3ـ استجابة الدعاء، كقوله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ )الأنفال:9. 4ـ النصرة الظاهرية، مثلما حدث في معركة بدر، كقوله تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ )التوبة:25. 5ـ إنزال السكينة والطمأنينة على المؤمنين، مثلما جاء في قوله تعالى: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ )الفتح:26. 6ـ إمداد المؤمنين بجنود غير مرئيّين من الملائكة يقاتلون معهم، بدليل قوله تعالى: (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا )التوبة:40. 7ـ قذف الرعب في قلب العدوّ، كقوله تعالى: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ )الأحزاب:26. 8ـ التصدّي لمكر الكافرين، كقوله تعالى: (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ )الأنفال:18. والنصر الإلهي لا يتوقّف عند حدود الانتصار الظاهري، بدليل نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)الذي قُتل، لكنّه انتصر على الظلم والطغيان؛ ولهذا قال: "فإنّه مَن لَحِق بي منكم استُشهد، ومَن تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح والسلام"(٢). ................................... (1)الإرشاد: ج2، ص٩١. (2)بحار الأنوار: ج٤٤، ص٣٣٠.