ابنتي والأمومة
بنيّتي الحبيبة: الأمومة رسالة مقدّسة، والأمّ فيها أعظم مدرسة، أراها كأنّها بخور يحترق لينشر الطيب، وشمعة تذوب لتضيء الدروب، وسحابة خير تتمزّق لتروي عطش الأرض، هي خلاصة رحيق الزهور، ومصفى العسل الشافي. فكم هو كبير ذلك القلب الذي تحمله الأمّ، وكم هي عظيمة تلك التضحيات التي تقدّمها، فمن رحلة الوحام المضنية، إلى آلام المخاض الشديدة، إلى ساعة الوضع القاسية، لحظات لا تصوّرها الكلمات، ولا تشرح تفاصيلها المفردات، كلّها تُنسى وتتلاشى مع صرخة الطفل الأولى وهو يعلن قدومه إلى الحياة، ثم تبدأ رحلة عطاء أخرى: تسهر لينام، وتجوع ليشبع، وتتعب ليستريح، وتكافح لينمو ويشتدّ عوده. رحلة بذل وعطاء، وسخاء وصبر ورجاء، تتلوّن بألوان الربيع الزاهية؛ لترسم لوحة الحياة الجميلة، بطلة هذه المهمّة أمّ صالحة واعية عرفت مسؤوليتها، ونهضت بدورها، فكانت الجنان تحت أقدامها؛ إكرامًا لها، وعرفانًا بفضلها، فالأمّ فيض لا ينضب، وقلب يتّسع للأبناء والأب، ابتسامة لا تفتر على الرغم من كلّ ما تقاسيه من الهموم والتعب، هذه بعض أوصافها، ولا أراني أنصفتُها يا حبّة القلب، فإن أردتِ أن تكوني يومًا أمًّا، فاعلمي أنّها مسؤولية وتكليف، قبل أن تكون متعة أو لونًا من ألوان التشريف، وعليكِ فهمها ووعيها لتكون مسيرتكِ في تربية أولادكِ موفّقة، ونهايتها سعيدة مشرقة. عزيزة أمّكِ: اهتمّي بولدكِ قبل حملكِ عن طريق الاهتمام بقلبكِ وروحكِ، استعدّي له عبر تفقّهكِ ووعيكِ، كوني أفضل أمّ لأجمل أبناء، وتعلّمي كلّ ما يعينكِ في رحلة أمومتكِ الحافلة بالإيثار والفداء، وإن حباكِ مولاكِ بطفل يزيّن حياتكِ ويبهج أيامكِ، فاحرصي على تربية روحه، لا تغذية بدنه فقط، ولا تعقّيه صغيرًا فيجحدكِ كبيرًا. كرّسي وقتكِ للاهتمام بأسرتكِ، وإياكِ والتفريط بمسؤوليتكِ مهما كانت صعوبات حياتكِ، تسلّحي بالثقافة الإسلامية التي تعينكِ في طيّ طريقكِ، واستثمري كلّ الوسائل المتاحة في زيادة كفاءتكِ، وتنمية وعيكِ، تنقّلي كالنحلة بين أزاهير الكتب والمجلات، ومجالس الإرشاد والمحاضرات، خذي منها زاد الصمود والثبات، وتعلّمي فنون الكفاح ومواجهة التحدّيات التربوية التي يفرضها الزمن والمتغيّرات. قدّمي لأولادكِ أبهى ما عندكِ، واحرصي على غرس كلّ جميل في حدائق صدورهم، واربطيهم بدينهم وخالقهم وأئمتهم، وعلّميهم حقيقة الانتظار الصادق لإمام زمانهم، وكوني معهم في خطواتهم، سدّديهم بالنصيحة والكلمة الطيّبة والدعوة الصادقة في جوف الليل ووضح النهار، وكوني صدرهم الآمن ومحفظة الأسرار، وارسمي في كلّ مراحل حياتهم بمعيّتهم المسار، وتوكّلي على الله تعالى، واطلبي منه أن يتقبّلهم منكِ بقبول حَسن، وينبتهم نباتًا حسنًا.