رياض الزهراء العدد 198 تاج الأصحاء
تأثير السهر في الصحة
لقد خلق الباري تعالى الإنسان في أحسن تقويم وتصوير، ورسم له خطّة للمحافظة على بدنه وروحه، ومن هذه النِعم التي أنعم الله بها على الإنسان نعمة النوم، فقال تعالى: (وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتًا, وَجَعَلۡنَا ٱلَّیۡلَ لِبَاسًا, وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشًا) (النبأ:9-١١)؛ فمشقّة النهار يبدّدها نوم الليل للاستعداد ليوم جديد بطاقة جديدة، لكن نرى في السنوات الأخيرة الانحراف عن هذا التقويم الفطري واضحًا بشكل عام، وأضحى السهر آفة خطيرة تهدّد الشباب، وتدقّ ناقوس الخطر لمَن ألقى السمع وهو شهيد، بسبب اضطراب ساعات النوم، والإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي، فما أضرار السهر الصحّية والسلوكية والحياتية؟ وبِمَ ينصح الأطبّاء؟ للإجابة سندخل في عالم النوم طبّيًا، وما الذي يحصل في أجسادنا بعد الولوج فيه. إنّ أجسامنا تتحكّم فيها عدّة هرمونات، منها ما هو مشترك بين الذكور والإناث، ومنها للذكور فقط ومنها هرمونات أنثوية، ويُعدّ هرمون (Melatonin) الذي تفرزه الغدّة الصنوبرية التي لا يتجاوز حجمها حبّة البازلّاء، هرمونًا مهمًّا جدًا، حيث تفرز هذه الغدّة الهرمون ليلًا، أي عند النوم، أي يزيد إفرازه في الظلام ويقلّ في وجود ضوء النهار- سبحان الله ـ وهذا أقوى دليل على تناغم الطبيعة وارتباطها مع الإنسان، ومن ثمّ، فإنّ تقليص ساعات النوم أو زيادتها في النهار ستؤثّر سلبًا في صحّة الإنسان؛ لكونها معادلة على عكس النظام الإلهي الذي وضعه للبشر، فتقلّ وتختلّ مستويات هذا الهرمون في الجسم، ممّا يؤثّر سلبًا في الوظائف الرئيسة الآتية: 1ـ معدّل النوم والاستيقاظ ومواعيدهما (الساعة البيولوجية). ٢- حرارة الجسم. ٣- توازن السوائل داخل الجسم. ٤- الشعور بالجوع والشبع. ٥- التركيز والنشاط الذهني والجسدي. والسؤال: متى يُفرز هذا الهرمون؟ هناك مرحلتان للنوم يمرّ بها الإنسان تدريجيًا، هما: 1ـ Rapid Eye Movement –REM)) أي (مرحلة حركة العين السريعة): وفيها يتمّ معالجة الأفكار والذكريات والأحداث التي مرّ بها الفرد في أثناء اليوم، وتحصل فيها الأحلام. 2ـ (Non Rapid Eye Movement - Non-REM) أي (مرحلة حركة العين غير السريعة): وتسمّى أيضًا (نوم الموجة البطيئة)، وفيها تتجدّد العديد من الوظائف الحيوية، فيتعافى الدماغ من إرهاق النشاطات التي قام بها الفرد طوال اليوم، ويقوم بإفراز الهرمونات، ممّا يعين الجسم على إعادة بناء نفسه بعد الجهد الذي فقده في أثناء النهار. وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ مدّة الاستفادة من المرحلة الثانية تعتمد على استغلال الليل للنوم لا على عدد الساعات، فمثلًا إذا نام شخصان، أحدهما من الساعة (١١) مساءً إلى (٦) صباحًا ـ وهي المدّة الصحّية الذهبية ـ فإنّه سينعم بنوم صحّي واستفادة قصوى من هذه الميكانيكية المذكورة، على عكس الآخر الذي ينام من (٣) أو (٤) صباحًا إلى (١١) صباحًا، فعلى الرغم من تساوي عدد الساعات، إلّا أنّ الأخير نام في حقبتين صباحيتين، فكيف يُفرز الهرمون ويستعيد الجسم نشاطه؟ فالأهمّية ليست في عدد الساعات، بل في المدّة الصحيحة، ولهذا قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا). وللسهر أضرار جسدية وسلوكية كثيرة، منها: 1- أمراض القلب: حيث ينشّط السهر بعض الموادّ الكيميائية التي تمنع الجسم من تقليل ضغط الدم وسرعة النبض، ممّا يسبّب مشاكل للقلب والأوعية الدموية مع مرور الوقت، ونرى في الوقت الحالي ارتفاع نسبة حدوث الجلطات والسكتات القلبية والدماغية عند الشباب. 2ـ ارتفاع خطر الإصابة بالسرطان: فوَفقًا للأكاديمية الأمريكية لطبّ النوم، يرتفع خطر الإصابة بسرطان الثدي والقولون والمستقيم والبروستات لدى الأشخاص الذين ينامون أقل من (7) ساعات ليلًا. 3ـ السمنة وزيادة الوزن: حيث تشير الأبحاث إلى أنّ الذين ينامون أقلّ من (6) ساعات ليلًا هم الأكثر عرضة للإصابة بالسمنة بنسبة (30%) مقارنةً بغيرهم، ومن ثمّ الإصابة بمرض السكّري؛ لأنّه عند السهر سيُفرز هرمون (Ghrelin)، وهو هرمون الجوع، ويقلّ إفراز هرمون (Leptin) وهوهرمون الشبع. 4ـ جفاف البشرة: فيكثر فيها حبّ الشباب، ويقلّ الكولاجين والبروتين، وتفقد البشرة حيويتها ويبهت لونها، وكذلك ظهور الهالات السوداء حول العينين بسبب السهر والتركيز على الإضاءة المنبعثة من الأجهزة الإلكترونية، ومع مرور الوقت يصعب علاجها ممّا يسبّب شيخوخة مبكّرة للبشرة. وأمّا الأضرار السلوكية والعصبية والنفسية، فتشمل: 1ـ التعرّض لحوادث القيادة بسبب قلّة التركيز. 2ـ الأرق، وهي المشكلة السائدة عالميًا، ممّا يقلّل من نسبة النجاح لطلاب المدارس والجامعات. 3ـ فقدان التركيز، وصعوبة التعلّم، وكثرة النسيان. 4ـ ارتفاع نسبة الإحباط والاكتئاب، حيث أظهرت الدراسات الطبّية أنّ الأشخاص الذين يميلون إلى السهر وينامون أقلّ من (6) ساعات يوميًا، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالإحباط والاكتئاب، ومن ثمّ تقلّ مناعة الجسم أيضًا. ومن أجل الوقاية من كلّ ذلك، ومن أجل انتظام الساعة البيولوجية للجسم، يوصي الأطبّاء بالنوم مبكّرًا، وعدم شرب المنبّهات لاحتوائها على مادّة (الكافيين) أو مشروبات الطاقة قبل النوم، وإطفاء الأنوار قبل الخلود إلى النوم وممارسة الاسترخاء.