نِسَاءٌ وَفَتْ

رحيل الحسيني/ لبنان
عدد المشاهدات : 174

يُعدّ الجهاد الميدانيّ العسكريّ ساقطاً عن المرأة، ولهذا السبب قد يظنّ بعض النساء أنّ دور المرأة في الأحداث السياسية والميدانية هو دور محدود، وأنّها محرومة من الفرصة في هذا المجال. فهل يُعدّ ذلك صحيحاً؟ لم تكن المرأة محرومة من الدور الجهاديّ بتاتاً، إذ يمكن لها أن تضطلع بأدوار جهادية مهمّة، والشواهد على ذلك كثيرة، إلا أنني سأختار لك أختي الفاضلة شاهداً تاريخيّا من فيض تلك الشواهد: الزمان عام 60 للهجرة.. المكان الكوفة الرعب والذعر يستوليان على قلوب أهل الكوفة والجواسيس تملأ أزقتها.. وفي هذا الجو المرعب، كانت المرأة تأتي إلى زوجها أو ابنها أو أخيها لتصرفه عن سفير الحسين وثقته مسلم بن عقيل (عليه السلام)؛ خوفاً من جيش أهل الشام، وفي الحين الذي نجحت فيه حملة الترهيب، وانصرف عن مسلم ما يقارب ثمانية عشر ألفاً من أهل الكوفة وخذلوه بعد أن بايعوه، كما جاء في الكتاب الذي أرسله مسلم إلى الإمام الحسين (عليه السلام) مع عابس بن أبي شبيب الشاكريّ: “أمّا بعد، فإنّ الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي..”.(1) وقفت امرأة واحدة تنحني لها هامات الرجال لتكون الناصر والملبّي الوحيد للحسين (عليه السلام) من بين الآلاف من أهل الكوفة، وذلك بإيواء سفيره مسلم بن عقيل (عليه السلام). وتزداد عظمة هذه المرأة فيما لو علمنا أنها آوته بعد أن كان ابن زياد لعنه الله قد توعّد بالعقوبة لمَن يأوي مسلماً، إذ أعلن على أهل الكوفة: (إن مسلماً بن عقيل أتى هذه البلاد، وأظهر العناد، وشق العصا، وقد برئت الذمة من رجل أصبناه في داره.. ومن جاء به فله ديته، اتقوا الله عباد الله، وألزموا طاعتكم وبيعتكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً..).(2) في ظلّ هذا التهديد لِمَن يأوي سفير الإمام الحسين (عليه السلام) قامت هذه المرأة بحماية مسلم وحفظه لولا ولدها الذي أفشى سرّ مكانه عند ابن زياد لعنه الله. ولو وُجد بعضهم ممّن يملك شجاعة طوعة وإيمانها ورباطة جأشها لتغيّر وضع الكوفة. وما يُلفت النظر أنّها قد أدّت تكليفها وآوت مسلماً مع الحفاظ على عفتها التي يدلّ عليها قولها لمسلم بن عقيل قبل معرفتها بهويّته: “لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحلّه لك”(3)، إذ أدخلته إلى حجرة أخرى غير التي تقطن فيها. وهكذا فإنّ طوعة التي يستفيض قلبها ولاءً وحبّاً لإمام زمانها وإن لم تذهب إلى كربلاء وتقاتل في الميدان، لكنها قد أدّت دوراً عظيماً تخاذل عنه آلاف الرجال وقامت بتكليفها على أتمّ وجه. وفي ظلّ ما نعيشه اليوم من مؤامرات واعتداءات ضدّ الإسلام المحمديّ الأصيل وضدّ الإنسانيّة، وفي ظلّ الحاجة إلى التمهيد لوليّ العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.. ما أحوجنا إلى نساء كطوعة تؤدينَ أدواراً عظيمة.. فهلّا سجّلت (سطّرت) اسمك في ديوان العظام من النساء اللواتي وفَين لإمام زمانهنّ؟!. ........................... (1) ملحقات إحقاق الحق: ج27، ص162. (2) حياة الإمام الحسين (عليه السلام): ج2، ص391. (3) أعيان الشيعة: ج1، ص592.