السيدة سكينةُ (عليها السلام)
"لا يومَ كيومكَ يا أبا عبد الله"(١)، هذه المقولة الأعظم تأثيرًا واستمرارية في الوجدان الإسلامي الأصيل، وكلّ مَن كان حاضرًا مع الحسين (صلوات الله عليه) في كربلاء كانت له مكانة خاصّة واستمرارية خالدة مستمدّة من الحسين (عليه السلام) نفسه. ولا يمكن الحديث عن عاشوراء وكربلاء من دون الحديث عن جميع مَن كان له وجود ومشاركة في هذا المسار العظيم، فمنذ خروج سفير الحسين مسلم بن عقيل (عليهما السلام) إلى الكوفة، ثم خروج الإمام الحسين (عليه السلام) بأهله من المدينة، ثمّ العودة إليها من بعد السبي تحت راية الإمام زين العابدين (عليه السلام)، حتى استمرار آخر فرد من أهله في مسيرته الكربلائية الإعلامية والتعليمية، كلٌّ له دوره، وله مكانته، وله درس خاصّ يعلّمه الإنسانية جمعاء. والسيّدة سكينة بنت الحسين (عليهما السلام) كان لها هذا الدور العظيم والتأثير الوجودي والعقائدي والتعليمي والاستنقاذي للبشرية. ولكونها سيّدة جليلة من العلويات ومع الدور العظيم الذي كان ملقىً على عاتقها في الحفاظ على استمرارية عاشوراء، فلابدّ من أن تكون تحت مرمى سهام الحقد والبغض من أعداء الولاية الذين قالوا عندما كانوا يقاتلون الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء: (نقاتلكَ بغضًا منّا لأبيكَ)(٢)، ولكون معظم كتب التأريخ إنّما كُتبت بأقلام مأجورة في عهد الطغاة والظالمين، فلا شكّ في أن يكون تأريخًا مشوّهًا، مليئًا بالافتراءات من قِبل الوضّاعين الذين كان جلّ همّهم إرضاء أسيادهم عن طريق تشويه صورة أهل البيت (عليهم السلام) وكلّ مَن له صِلة بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، ولم يسلم منهم أحد من الرجال أو النساء، ومن أبرز النساء اللواتي تعرّضنَ للافتراءات وتشويه سيرتها هي السيّدة سكينة بنت الحسين (عليهما السلام)، وقد قال الإمام الحسين (عليه السلام): "اللهم إنِّي لا أعرف أهل بيت أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي"(3)، وهذه الرواية الشريفة منقولة عن الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وفي كلامه لم يستثنِ أحدًا، بل كان موجّهًا كلامه إلى مَن كان حاضرًا معه في كربلاء من أهل بيته تحديدًا، ومن بينهم كانت السيّدة سكينة (عليها السلام). وسكينة (عليها السلام) منذ ولادتها كانت لها مكانة خاصّة عند الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان متعلّقًا بها جدًا، وعاطفة الإمام إنّما هي عاطفة مرتبطة بالعوالم العليا، وليست عاطفة دنيوية عرضية كحبّ أيّ أب لابنته؛ لأنّ الحبّ في الله والبغض فيه من أوثق عرى الإيمان، ولابدّ من أن يكون معيار الحبّ عند المعصوم مختلفًا عن حبّ أهل الدنيا، ولابدّ من أن يكون حبّ حافظ الدين والقيم مرتبطًا بالعوالم القدسية، والعاطفة الربّانية. ومثلما كان الإمام الحسين (عليه السلام) متعلّقًا بها، كانت هي أيضًا شديدة التعلّق به؛ وذلك ليس لأنّه والدها فقط، بل لأنّها كانت من رجاحة العقل والبصيرة النيّرة تنظر إليه على أنّه سيّدها ومولاها وإمامها، وتنظر إليه على أنّه الإسلام وخليفة الله في أرضه، وقائد الوجود إلى التكامل، وإلى مدارج الكمال، مثلما جاء في قوله تعالى: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (البقرة:156). ................................................................. (1)بحار الأنوار: ج٤٥، ص٢١٨. (2)موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ص٥٩٣. (3)الأمالي للشيخ الصدوق: ص٢٢٠.