سجين سامراء
لشرح جزء بسيط من حياة إمام قد عاش عمره تحت الإقامة الجبرية، نحتاج إلى تفاصيل كثيرة من أجل أن نحيط بجوانب حياته المؤلمة، ونسلّط الضوء على أهمّ الأحداث التي عصفت بحياته الشريفة، فقد كان الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) في عامه الثاني أو الثالث عندما رافق والده الإمام الهادي (عليه السلام) إلى مدينة سامرّاء على أثر استدعائه من قِبل الدولة العبّاسية؛ ليكون محطّ أنظار السلطة الظالمة في تلك المدينة التي كانت وقتئذ معسكرًا للجند، بهدف التشديد على الإمام (عليه السلام)، ولهذا فقد لُقب بالعكسريّ نسبةً لاسم المكان؛ ليكون هذا اللقب شاهدًا على ظلم أعدائه له. نشأ (عليه السلام) في محلّ سكناه تحت الإقامة الجبرية، وقضى (28) عامًا من المعاناة، عاشها بكلّ ما حوت من ظلم وتضييق ومراقبة شديدة منذ أعوامه الأولى حتى استشهاد أبيه الإمام عليّ الهادي (عليه السلام)، فقد مُنع من الاتّصال بكلّ محبّيه وشيعته وخواصّه، فاختار نوّابًا ليتسنّى له إيصال رسالته الربّانية إلى شيعته عن طريقهم، وما هذا إلّا انعكاس للظلم والجور الوارد عليه (عليه السلام) من قِبل الدولة العبّاسية، وممّا يدلّ على اضطهاده (عليه السلام) ما جاء عن عليّ بن جعفر الحلبي أنّه قال: اجتمعنا بالعسكر، وترصّدنا لأبي محمّد (عليه السلام) يوم ركوبه، فخرج توقيعه: "ألا لا يسلّمنّ عليّ أحد، ولا يشرْ إليّ بيده، ولا يومئ أحدكم، فإنّكم لا تأمنون على أنفسكم"(1). وعلى الرغم من كلّ المضايقات التي أحاطت به، إلّا أنّه جاهد في الله حقّ الجهاد في هداية العباد، وقيادة الأمة نحو الرشاد، وهو يُنقل من سجن إلى آخر، حتى قضى مسمومًا مظلومًا شهيدًا، ودُفن إلى جانب والده (عليه السلام) في سُرّ مَن رأى، وشيّد لهما مرقد تتوافد إليه قلوب المحبّين من كلّ مكان، إلى تلك المدينة العظيمة التي ازدادت بمرقدهما بهاءً وسموًّا. .................... (1)القطب الراوندي: ج1، ص439.