الحظّ في المنظور الإسلاميّ

ولاء قاسم العبادي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 292

يعتقد الكثيرون بوجود الحظّ، وأنّه يتحكّم بمصير بعضهم دون إرادة منهم، فيجلب لهم السعادة ويدفع عنهم الشقاء دون جهد أو سعي، في حين أنّ الحظَّ بهذا المعنى لا صحّة له، فقد وردت كلمة الحظّ (7) مرّات في القرآن الكريم بمعنى النصيب، إلّا واحدة جاءت بالمعنى العرفي المُتقدّم؛ لورودها على لسان قوم قارون، إذ قالوا: (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (القصص:79)، فالحظُّ بهذا المعنى أشبه ما يكون بالصدفة؛ لحدوثه من دون أسباب تدعو إليه، وهو فهم خاطئ، إذ من المعلوم أنّه لا وجود للصدفة في ديننا الحنيف، وقد رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "لكُلِّ شيءٍ سبب"(1)، نعم، ربّما نجهل بعض الأسباب أو نكون غافلين عنها، ثم إنّ المجتمع غالبًا ما يشخّص الحظّ عند تحقّق ما تحبّه النفس من نجاح أو سعادة أو صحّة أو ثراء، على حين ليس من المعلوم جزمًا أنّ ذلك هو ما يحقّق المصلحة، ومن ثمّ قد لا يكون حظًّا، فلربّما يكون السبيل الذي يقود نحو الهاوية والهلاك؛ لقوله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) (البقرة:216)، وقوله تعالى في الحديث القدسيّ: "وإنَّ من عبادي المؤمنين لمَن لا يصلح إيمانه إلّا بالفقر ولو أغنيتُه لأفسده ذلك،...وإنّ من عبادي المؤمنين لمَن لا يصلح إيمانه إلّا بالسقم، ولو صحّحتُ جسمه لأفسده ذلك"(2). ولو سلّمنا جدلًا بأنّ الحظَّ بهذا المعنى موجود، فمعنى ذلك أنّنا اعتقدنا بأنّ الله تعالى قد حبا المحظوظَ به دون غيره، وذلك لا يخلو من إشكال عقديّ خطير يتمثّل بعدم الاعتقاد بالعدل الإلهي، والاعتقاد بالظلم الإلهي ـ والعياذ بالله تعالى ـ ومن المؤسف أنْ لا يجد بعضهم حرجًا في التصريح بذلك علنًا، وإنْ اعتُقد بأنّ شيئًا ما يجلب الحظّ، فإنّ ذلك هو الآخر لا يخلو من إشكال عقديّ أخطر، يتمثّل بالشرك بالله تعالى؛ للاعتقاد بأنّ هناك مؤثّرًا آخر غيره سبحانه يؤثّر في حياة الإنسان ويتحكّم بمصيره. والحقّ أنْ لا حظَّ بالمعنى العرفيّ، وأمّا الخير والنجاح الذي يحرزه بعضهم، إنّما هو نتيجة لأفكار إيجابية، ونوايا حَسنة، وأعمال صالحة يقومون بها، وقد أرشدت روايات كثرة إلى ما يطيل العمر، ويوسّع الرزق، ويحقّق السعادة الدنيوية، منها ما رُوي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "أَحْسِنِ الظَّنَّ بِاللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ بِي، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا"(3). ................................................................. (1)ميزان الحكمة: ج2، ص١٢٣٢. (2)بحار الأنوار: ج5، ص٢٨٤. (3)الكافي: ج2، ص72.