أَبكي على اغترابي

وسن نوري الربيعي
عدد المشاهدات : 146

حين مرض محمّد بن مسلم ولم يستطع رؤية إمام زمانه الباقر (عليه السلام)، تألّم كثيرًا إلى أن شُفي، وذهب إلى بيت الإمام (عليه السلام)، ولمّا دخل سلمّ عليه وقبّل يده ورأسه وهو باكٍ، فسأله الإمام: "وما يبكيكَ يا محمّد"؟ فقال: جُعلت فداكَ، أبكي على اغترابي، وبُعد الشقّة، وقلّة القدرة على المقام عندكَ أنظر إليكَ(1). إنّ الزمان الذي يخلو من حجّة الله الظاهرة، وكهف الورى الناصر للمظلوم، ومرشد الضالّ والمتحيّر، هو زمان المحنة الصعبة والغربة العظمى، هو وقت التمحيص والبلاء العظيم حيث تلاطم الفتن، وتغطرس الظلم، وتفشّي الفساد والانحراف، وانقلاب الموازين. حين تؤمن قلوب العارفين بوجود إمامهم (عجّل الله فرجه الشريف)، وتتلمّس فيض عطائه وعنايته، لكنّها محجوبة عن اللقاء والتشرّف بالقيام عنده وخدمته، سيلتهمها الأسى وتعيش الغربة، ويصعب عليها طول الغياب مع قربها من الغائب؛ لأنّها محجوبة عن المعاينة، فتغدو باحثة عن السبيل لنيل رضاه، وإن كان غائبًا عن الأبصار لكنّه حاضر في النفوس العارفة والضمائر المؤمنة، وهي موقنةً أنّ تجديد العهد والتزام طريق الحقّ والتهيّؤ لنصرته، والعمل الجادّ وترك التسويف، هو المسلك للتشرّف بالدخول تحت لوائه المنتصر في دولة لابدّ من أنّها قائمة وإن طال أمد انتظارها، دولة يعود فيها السلام والخير والبركات مع انقشاع سحب الغياب، وإشراقة محيّاه الوضّاء. ........................................................................... (1) بحار الأنوار: ج٩٨، ص121.