رياض الزهراء العدد 199 أنوار قرآنية
مفهوم القسم في القرآن الكريم
من المفاهيم الواسعة في القرآن الكريم مفهوم القَسَم، فربّ العباد أقسم بذاته المقدّسة، وأقسم بالكائنات والمخلوقات، وأصناف الملائكة، بل وأقسم بعمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر:72). والقسم ورد تارة بشكل مفرد، كقوله تعالى:(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا)(الشمس:4)، وتارةً بشكل متكرَر، والذي يُعبّر عنه بالقسم المركّب، كقوله تعالى:(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) (الشمس:1). وهناك إعجاز في مسألة القسم، فعلى سبيل المثال هناك علاقة وطيدة بين القسم وجواب القسم، كأن يكون القسم وجوابه من جنس واحد، ففي سورة العصر المباركة مثلًا نجد أنّ القرآن الكريم أقسم بوقت العصر، وجواب القسم كان عن عمر الإنسان الذي هو في حالة تناقص مستمرّ وخسران، كقوله تعالى :( وَالْعَصْرِ, إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْر)(العصر:1-2)، فصار عنصر الزمن هو القاسم المشترك بين القسم وجوابه، وقد يتساءل بعضهم عن سبب أهمّية وجود القسم في تعاليم القرآن الكريم وضرورته؛ وذلك لأنّ القرآن الكريم يتلقّاه اثنان لا ثالث لهما: المسلم وغير المسلم، والمسلم هو المعتقد بأنّ القرآن: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)(فصّلت:42)، وأمّا غير المسلم الذي لا يؤمن بكتاب الله، فهو غير محتاج إلى القسم أصلًا، إذن ما الغاية من القسم الذي ورد في القرآن الكريم؟ الغاية من ذلك أنّ الله تعالى يقسم بالأمور المهمّة، وكلّما تعدّدت الأقسام على أمر معيّن، فهي إشارة إلى أهمّية الأمر المُقسَم له وثقله، ومن جهة أخرى فإنّ الله تعالى يُبيّن عظمة المُقسَم به عن طريق المُقسَم له، فالفائدة تكون من جهتين، وقد تباينت أعداد الأقسام ما بين قلّتها وكثرتها في سُور القرآن الكريم، فبعض منها ورد فيها القسم بأمرين، وبعضها بثلاثة أو بخمسة. والسورة التي اشتملت على أكبر عدد من الأقسام هي سورة (الشمس)؛ لاحتوائها على (11) قسمًا بالغ العظمة، بدأ بقوله تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)، ووصلت إلى الآية السابعة: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)، على أنّ الآية الأولى والخامسة والسادسة والسابعة اشتملت على قَسمينِ بصيغة المركّب، صدرت لأمر خطير وهو تزكية النفس: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)، والتزكية هنا بمعنى التطهير والتنقية. وعن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألتُ عن قول الله (عزّ وجلّ) (والشمس وضحاها)، قال: "الشمس رسول الله أوضح للناس دينهم، قلتُ: (والقمر إذا تلاها)، قال: ذاك أمير المؤمنين تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، (والنهار إذا جلّاها) قال: "ذلك الإمام من ذرّية فاطمة نسل رسول الله فيجلّي ظلام الجور والظلم، فحكى الله سبحانه عنه وقال: (النهار إذا جلّاها)، يعني به القائم (عليه السلام)، قلتُ: (والليل إذا يغشاها)، قال: ذاك أئمة الجور الذين استبدّوا بالأمور دون آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)...."(١). فالأقسام التي وردت في سورة (الشمس) صدرت لبيان أنّ الفلاح يكون بتزكية النفس واتّباع الهدى والحقّ، وهذا ما عضدته الروايات الشريفة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "زِنوا أنفسكم من قبل أن تُوزنوا، وحاسبوها من قبل أن تُحاسبوا"(٢). .......................................................... (1)إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب: ج1، ص٩٤. (2)ميزان الحكمة: ج1، ص٦١٩. السؤال التفاعلي: هل يمكنكم أن تذكروا سُورًا أخرى من القرآن الكريم ورد فيها قسم؟